سنترال رمسيس ” عصب الاتصالات في مصر وتاريخ من التطور
سنترال رمسيس
إيهابحبلص
يُعد سنترال رمسيس، الواقع في قلب القاهرة بشارع رمسيس، أكثر من مجرد مبنى إداري؛ إنه صرح تاريخي وشريان حيوي للاتصالات في مصر، يشهد على قرن من التطور التكنولوجي والاجتماعي في البلاد. منذ افتتاحه في عام 1927 على يد الملك فؤاد الأول، وحتى اليوم، ظل السنترال ركيزة أساسية في البنية التحتية للاتصالات، محافظًا على دوره المحوري رغم التحديات والتحولات التي شهدها العالم.
النشأة والافتتاح: بداية عصر الاتصالات الحديثة
تعود قصة سنترال رمسيس إلى العشرينيات من القرن الماضي، تحديدًا في 25 مايو 1927، عندما قام الملك فؤاد الأول بافتتاحه رسميًا. أُجريت أول مكالمة هاتفية من هذا السنترال باستخدام سماعة من الفضة، صُنعت خصيصًا لهذه المناسبة، وهاتف من إنتاج شركة إريكسون السويدية. كان هذا الحدث بمثابة نقطة تحول في تاريخ الاتصالات المصرية، حيث بدأ السنترال في ربط القاهرة الكبرى بالمحافظات المختلفة، ليصبح بذلك العقدة المحورية لملايين الاتصالات الهاتفية الثابتة.
التطور عبر العقود: من المقاسم اليدوية إلى الألياف الضوئية
على مدار تاريخه، شهد سنترال رمسيس تطورات هائلة مواكبةً للتقدم التكنولوجي العالمي:
* الخمسينيات والستينيات: بدأ السنترال في التوسع لمواجهة الطلب المتزايد على خدمات الاتصالات، وتم إدخال المقاسم النصف آلية ثم المقاسم الآلية.
* السبعينيات والثمانينيات: استمر التوسع وإدخال المزيد من التحسينات، ليصبح المقسم هو الجهاز المركزي الذي يوصل الاتصال من خط المستخدم بالرقم المطلوب.
* التسعينيات: شهدت هذه الفترة ثورة في عالم الاتصالات مع إدخال السنترالات الرقمية (Digital Switching Systems)، مما أتاح تقديم خدمات أكثر تطوراً مثل تحويل المكالمات وإظهار رقم الطالب.
* الألفية الجديدة: دخل سنترال رمسيس عصر الإنترنت بقوة، وبدأ في تقديم خدمات الإنترنت الأرضي (ADSL) للعملاء، وتحول تدريجياً إلى مركز متكامل يضم وحدات فنية متطورة لخدمة الاتصالات والإنترنت.
* ما بعد عام 2017 (إطلاق WE): مع إطلاق العلامة التجارية الجديدة للشركة المصرية للاتصالات "WE"، خضع السنترال لعملية تحديث شاملة، تضمنت تطوير البنية التحتية لتقنية الألياف الضوئية (Fiber Optics) وتحديث مراكز خدمة العملاء.
الأهمية الاستراتيجية: العمود الفقري للشبكة الوطنية
لم يكن دور سنترال رمسيس مقتصراً على كونه مركزاً لخدمات الهاتف الثابت، بل تطور ليصبح "العقل المركزي" للبنية التحتية للاتصالات في مصر. يضم السنترال أجهزة السويتشات الرئيسية لشبكات التليفون والإنترنت، ويحتضن كوابل الفايبر الرئيسية التي تتصل بباقي المحافظات، مما يجعله نقطة ربط أساسية بين شبكة القاهرة الكبرى وشبكات الأقاليم المختلفة.
كما يمثل السنترال نقطة الدخول الأساسية لكابلات الألياف الضوئية الدولية القادمة من الإسكندرية، ويضم نقطة تبادل الإنترنت في القاهرة (CAIX)، التي توفر وصلات مباشرة بين جميع مزودي خدمات الإنترنت الرئيسيين داخل مصر. وكان في السابق مقراً لنقطة التبادل الإقليمي للإنترنت في القاهرة (CRIX)، التي كانت تعد الأكبر في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. هذا الدور المحوري جعله يعالج أكثر من 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية في مصر.
سنترال رمسيس شاهد على التاريخ
لم يكن السنترال مجرد مبنى تقني، بل كان شاهداً على أحداث مفصلية في تاريخ مصر الحديث. من بيانات حرب أكتوبر 1973، إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي ربطت المصريين بالعالم، كان سنترال رمسيس حاضراً في ذاكرة الوطن. إن مكانته كرمز للتطور الحضاري في مصر تجعله جزءاً لا يتجزأ من روح القاهرة وتاريخها.
وبالتالي، يظل سنترال رمسيس ليس مجرد مبنى في قلب العاصمة، بل هو مركز ثقل رقمي تتحرك من خلاله آلاف خطوط البيانات والمكالمات يوميًا، ويمثل العمود الفقري للبنية التحتية الوطنية، مما يجعله عنصرًا لا غنى عنه في أي تصور لمستقبل التحول الرقمي في مصر.