دفاعا عن كرامة لبنان
بقلم : عبد الحليم قنديل
قضية "حزب الله" ونزع سلاحه أكبر وأوسع من حدود لبنان الصغير المزدحم بتناقضاته الداخلية والتدخلات الحارجية فى شئونه ، وفى لقاء صاخب على العادة اللبنانية ، قدم الصحفى اللبنانى المناصر للمقاومة "فادى بودية" دفاعا لافتا ، وسأل تطبيق الذكاء الاصطناعى " شات جى بى تى " الأمريكى المنشأ عن تجارب نزع سلاح حركات المقاومة فى التاريخ الإنسانى ، وعن أثر نزع سلاح "حزب الله" إن حدث ، ولم يكن جواب التطبيق الإلكترونى مفاجئا لأحد عارف ، ففى كل التجارب التاريخية ، كانت النتائج توحشا مضافا لقوة الاحتلال ، وفتحا لباب استكمال الإبادات الجماعية والتهجير والتطهير العرقى ، وفى حالة لبنان بالذات ، كان جواب "شات جى بى تى" صريحا قاطعا ، وخلاصته ببساطة ، أن لبنان سيعود فى حالة نزع سلاح المقاومة إلى ما قبل عام 2000 .
وبديهى أن جواب "شات جى بى تى" الآلى المحايد بطبعه لن يغلق باب الجدال المستعر فى لبنان ، فقضية "حزب الله" هى ذاتها قضية المقاومة فى "غزة" وفلسطين ، وما يراد بنزع سلاح حركات المقاومة ، هو إشهار الاستسلام لرغبات وأهداف كيان الاحتلال "الإسرائيلى" ونصيره الأمريكى ، ولا يسع أى عاقل صاحب ضمير حى ، إلا أن يرفع الصوت عاليا ضد نزع سلاح أى حركة مقاومة مادام الاحتلال باقيا ، وقد يقال لك أن لبنان دولة مستقلة معترف بها فى الجامعة العربية والأمم المتحدة ، وأن من شروط سلامة الدولة أن يكون لها جيش واحد ، وأن يحصر السلاح الشرعى فيه ، وهذا كلام صحيح بصفة عامة مجردة ، لاتتوافر شروطها فى حالة لبنان ،.
فاستقلال لبنان ناقص ، وخمس مواقع جنوبية فيه لا تزال محتلة من قبل العدوان "الإسرائيلى" شمال الخط الأزرق ، فما بالك بمواقع أخرى عديدة لا تزال "إسرائيل" تحتلها من زمن ، وتقع خارج خط الحدود المتفق عليه فى هدنة 1949 ، فلم يتوقف عدوان كيان الاحتلال أبدا على لبنان منذ إقامة هذه "الإسرائيل" ، ومن مجزرة "الحولة" عام 1949 إلى عدوان 1978 واجتياح لبنان عام 1982 ، ولم يدخل جيش لبنان الرسمى أبدا فى صدام مع جيش الاحتلال ، إلا فى أحوال موقوتة وبمبادرات فردية ، بل أن قسما من الجيش الرسمى جند طاقاته فى خدمة الاحتلال بلا حياء ، وكون ما عرف باسم "جيش لبنان الحر" من الرائد "سعد حداد" إلى العميد "أنطوان لحد" ، الذى سحبوه إلى داخل كيان الاحتلال بعد هزيمة العدو على يد مقاومة "حزب الله" ، وانسحابه من غالب الجنوب اللبنانى فى 25 مايو 2000 ، وظلت رواتب العملاء تصرف لسنوات طويلة من خزينة الدولة اللبنانية (!) .
وهذه المفارقات المخزية وأمثالها مفهومة فى الوضع اللبنانى الخاص جدا ، فالجيش اللبنانى كغيره من مؤسسات الدولة ، يجرى تكوينه وتجرى قيادته بحسب المحاصصات الطائفية المريضة ،.
اقرأ أيضاً
الخطر الحقيقى على سوريا ولبنان
أمين سلطان فنان كل اللهجات يطرح ”أجمل كلمة” بمذاق لبناني خاص وبأجواء جيتارات
الإمام الأكبر يستقبل رئيس وزراء لبنان ويؤكِّد دعم الأزهر غير المحدود للشعب اللبناني
عبده ابو عايشه: زيارة الرئيس اللبناني تؤكد ريادة مصر ودعم السيسي الدائم لاستقرار لبنان والخروج من أزمته
محمد خلف الله: مصر تواصل دعمها الثابت للبنان والتزامها بأمن واستقرار المنطقة
خيبة أمل في الجنوب: سكان ينتظرون تعويضات حزب الله التي لا تأتي
الرئيس اللبنانى: ما يحدث على الحدود لا يمكن أن يستمر
31 مليار دولار .. إسرائيل تتكبد خسائر فادحة خلال عدوانها على غزة ولبنان
نور اللبنانية تعود في ”جودر 2” بمخططات جديدة وتحالفات غير متوقعة!
إعادة إعمار غزة وأزمات سوريا وليبيا ولبنان تتصدر مباحثات السيسي ونظيره القبرصي بالقاهرة
وزير الخارجية والهجرة يجتمع مع نظيره اللبناني
30 قتيلا و1639 إصابة بجيش الاحتلال خلال معارك غزة ولبنان
وكل المناصب يجرى توزيعها بحساب طائفى من ميثاق 1943 إلى اتفاق الطائف بعد الحرب الأهلية الطويلة المريرة ، ويسرى التوزيع ذاته فى كل القطاعات بين 18 طائفة دينية كبرى وصغرى معترف بها ، ويجرى نقل الصورة المعتلة إلى داخل الجيش نفسه ، وكل طائفة ـ كبرى على الأقل ـ لها ارتباطاتها الثقافية والسياسية خارج لبنان ، إضافة لكون لبنان الهش
ساحة مفتوحة لعمل أجهزة المخابرات الخارجية من كل صنف ولون ، ومع تحول الوضع العربى عموما إلى حالة "التحلل الرمى" الراهنة ، لم يعد هناك من تأثير عربى إيجابى فى الوضع اللبنانى ، مثلما كان الأمر عليه زمن جمال عبد الناصر والحالة "الشهابية" فى لبنان ، وبعد رحيل عبد الناصر بسنوات قليلة ، دخل لبنان فى حرب أهلية دموية سقط فيها نحو 150 ألف قتيل ، وفى قلب زمن الحرب الأهلية ، كانت قطاعات من اليمين المسيحى توثق صلاتها بكيان الاحتلال "الإسرائيلى" ، وهى ذات القطاعات التى تعاود نشاطها الآن فى خدمة "إسرائيل" ونصيرتها أمريكا ، وأضيفت إليها أصوات من الطائفة السنية المفتتة التمثيل السياسى ، مع إضافة تأثير خليجى منتفخ ماليا ، وخاضعا فى السياسة لرغبات وأهداف العدو "الإسرائيلى" الأمريكى ،.
وكل هؤلاء ـ مع غيرهم ـ كانوا وراء توريط الحكومة اللبنانية فى قرارات نزع سلاح "حزب الله" الشيعى المنشأ ، وشن حملة تكفير سياسى ودينى ضد الطائفة الشيعية التى تمثل ثلث سكان لبنان اليوم ، وبدعوى أن "حزب الله" إيرانى الولاء .
وكأن "حزب الله" حين حرر الجنوب اللبنانى كان يخدم إيران ، وكأن "حزب الله" حين دفع دم الآلاف المؤلفة من الشهداء فى معركة التحرير الطويلة الممتدة لنحو عشرين سنة ، أو فى حرب يوليو 2006 ، أو فى حرب الإسناد للمقاومة الفلسطينية فى "غزة" ، أو فى التصدى البطولى الإعجازى لعدوان الاحتلال الأخير فى حرب الستة والستين يوما ، التى أعطى فيها "حزب الله" خمسة آلاف شهيد على الأقل ، وراح ضحيتها عدد هائل من أبرز قادته ، .
وفى طليعتهم سيد الشهداء "حسن نصر الله" ، كأن كل هذه الدماء الزكية كانت تدفع لحساب إيران البعيدة ، التى خاضت مع "إسرائيل" حربها بنفسها ، ومن دون طلب عون من "حزب الله" ولا من حركات المقاومة الأخرى ، بينما ظلت إيران تدفع من مالها وسلاحها إلى "حزب الله" وغيره ، وهو ما كان يعترف به السيد "حسن نصر الله" علنا ودونما مواربة ، فلم تقدم أى دولة عربية فلسا ولا طلقة رصاص لأى حركة مقاومة عربية فى العقود الخمس الأخيرة ، وكان أولى بالدول العربية أن تفعل لو كانت عربية السياسة حقا ، لكن الأحوال على ما نعرف من هوان ما بعده هوان ، وكأن تهمة "حزب الله" أنه يقاوم بما يصل إلى يده وعقله وقلبه من سلاح وإيمان ، ومن حق "حزب الله" ردا للعدوان على سلاحه ومواريث شهدائه العظام ، أن يرفض نزع سلاحه وتوريط الجيش اللبنانى فى الخطيئة الكبرى ، ولو حدث شئ من ذلك لا قدر الله ، فلا أحد يضمن الحد الأدنى من سلام واستقرار لبنان الداخلى ، ولا أحد يضمن ألا يتمزق الجيش من داخله ، ولا أحد يضمن ألا يذهب لبنان إلى حرب أهلية جديدة لا تبقى ولا تذر .
وقد يقال لك ، أنه ليس من حق أحد التدخل فى شئون لبنان الداخلية ، وهذا كلام حق تكذبه الوقائع الملموسة ، فليست إيران وحدها التى تفتى فى الشأن اللبنانى ، بل كل الأطراف والأطيار من كل جنس ، من فرنسا الأم الرءوم للكيان اللبنانى الأول ، إلى أمريكا التى تعتبر نفسها الآمر الناهى فى شأن لبنان وسوريا وعدد غالب من أصحاب الأزياء العربية ، ومن الخلف كما من الأمام ، تقود "إسرائيل" ركب التدخل الأمريكى والعربى المزور ،.
وتعتبر "توماس براك" ـ ومن قبله وبعده ومعه "مورجان أورتاجوس" ـ ممثلها فى الشأن اللبنانى ، قبل وبعد كونه مبعوثا للرئيس الأمريكى الأهوج "دونالد ترامب" ، ويفرض رئيس وزراء العدو "بنيامين نتنياهو" أجندة أولوياته على الجميع ، فهو يريد أن ينزعوا له سلاح مقاومة "حزب الله" جنوب الليطانى وشماله وفى كل لبنان ، وقد شنت طائراته الأمريكية أكثر من أربعة آلاف غارة ضد "حزب الله" وبيئته بعد وقف إطلاق النار المعلن رسميا أواخر نوفمبر 2024 ، استشهد بسببها مئات من قادة وعناصر الحزب ، ومن دون أن يرد الحزب حتى تاريخه ، على سبيل إفساح المجال للدولة اللبنانية أن ترد هى على العدوان ،.
وهو ما لم يحدث ، اللهم إلا على طريقة "ميشال منسى" وزير الدفاع اللبنانى ، الذى رد مرة على منتقدى الحكومة لانعدام ردها على العدوان المتكرر بصفة شبه يومية ، وكان رده البليغ نصا "نحن نرد بالبرستيج" ، وبدا رد الوزير الهمام مثالا فريدا فى البلاهة ، فالبرستيج تعبير فرنسى يشير إلى الهيبة أو السمعة أو المكانة المرموقة التى يتمتع بها شخص أو شئ ما ، وقد سقط "برستيج" الوزير "منسى" حتى قبل أن ينطق به ، وربما يكون عليه أن يشترى غيره (!) .
وبالجملة ، فلا أحد عاقل يصدق ، أن لبنان العزيز سيكون بخيروكرامة ، إذا جرى ـ لا قدر الله ـ نزع سلاح "حزب الله" ، وهو جيش لبنان الحقيقى الأقوى إضافة للجيش الرسمى الممنوع أمريكيا و"إسرائيليا" من تسليح مناسب ، يتعدى عدة "البرستيج" الكوميدية ، والخصم من قوة لبنان يجعله فى مهب الريح ، ويعطى "إسرائيل" الفرصة لاجتياحه حتى نخاع العاصمة "بيروت" ، تماما كما جرى قبل ميلاد "حزب الله" أوائل ثمانينيات القرن العشرين ، ومن لا يتعظ بتجارب التاريخ ودروسه ، لا يملك القدرة على الإمساك بمفاتيح المستقبل ، وبالذات فى لحظة الفوضى المرعبة التى تجتاح المنطقة اليوم ، وتهدد بإلحاق لبنان ـ كما سوريا وغيرها ـ بأمن ومعية وهيمنة كيان الاحتلال "الإسرائيلى" .