من الحلبة إلى هو لو با: حوار الحضارات عبر طريق الحرير البحري


بقلم :د.وانغ قوانغيوان هُمام وشيو تشياو لينغ بشرى
وقد قيل في الحلبة "لو علم الناس بما في الحلبة من فوائد لاشتروها بوزنها ذهبا".
و"لو وضعت جميع الأدوية في كفة ميزان والحلبة في كفة الميزان الأخرى لعدلت الكفة الأخرى".
عبر العصورِ، ظل هذا الثناء دليلا على المكانة الجليلة التي تحتلها الحلبة في ضمير البشر.
اقرأ أيضاً
من الأهرامات إلى سور الصين العظيم :إرث الصداقة وآفاق الابتكار
المجلس الأعلى للاقتصاد العربي الإفريقي: ندعم القيادة السياسية للحفاظ على الأمن القومي
العلاقات الصينية المصرية تدخل ”عصرها الذهبي”
محمد عامر الشهري يجسد تميز المواطن السعودي والمجلس الأعلى للاقتصاد العربي الإفريقي بمؤتمر الثقافة والتعليم والسياحة الرقمية بالصين
رئيس مجلس الدولة الصيني يعتزم حضور قمة بريكس الـ17 في البرازيل وزيارة مصر
تعيين اللواء حسن عطية نائبًا لرئيس المجلس الأعلى للاقتصاد العربي الإفريقي وزيرًا مفوضًا
فؤاد درويش: مشروع مدينة الأهلي الرياضية استثمار في الإنسان والهوية العربية
بحضور أكثر من 30 مشاركًا من 14 دولة عربية… ”رئيس البريد المصري” تترأس أعمال الاجتماع الـ47 للجنة العربية الدائمة للبريد
منصة ”سايبر إكس” (CyberX) تقود معركة الوعي بالأمن السيبراني في العالم العربي
الحق في البقاء والتنمية: الرؤية الصينية لحقوق الإنسان تتجاوز السرديات الغربية
إطلاق النسخة الثانية من قمة الإبداع الإعلامي للشباب العربي.. غداً
باسم الجمل: قرار السماح للشركات الصينية بالتعامل باليوان يسهم في تنويع مصادر النقد الأجنبي وجذب الاستثمارات
بدأ ظهور الحلبة في شمال أفريقيا قد عرفت عند قدماء المصريين، وما يدل على ذلك إنها قد ذُكرت في "بردية أدوين سميث" التي يرجع تاريخها إلى ما يقرب من ألف وخمسمئة سنة قبل الميلاد، وفيها وصفة لعلاج الحروق وتسهيل الولادة.
ومع تطور الحضارات، تناقلت الأجيال هذا التقليد العريق وطورته.
وفي التراث العربي الإسلامي خصوصا في العصر العباسي من حيث ازدهر الطب العربي ازدهارا عظيما وتعمق البحث في الأدوية والعقاقير تدريجيا. فقد عرفت الحلبة في استطبابات العرب ووصفاتهم، إذ ذكر ابن سينا فعالية الحلبة في كتابه "القانون في الطب" عن علاج أمراض الجلد وتقوية الشعر.
أما يوسف بن عمر بن علي بن رسول الغساني فقد فصل في "المعتمد في الأدوية المفردة" فعاليات الحلبة في تليين الأوعية الدموية وترطيب جهاز الهضم وتعزيز وظائف جهاز التنفس وتخفيف تورم الجلد وإلخ.
بالإضافة إلى ذلك قد ذكر داود بن عمر الأنطاكي في كتابه" تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب" فعاليات الحلبة الأخرى التي ضمت علاج أمراض العين والنساء.
وقد أغرت هذه التوثيقات الطبية المفصلة فهم البشر لقيمتها العلاجية.
وفي وقت الصين نفسه، أدى ازدهار طريق الحرير في عهدي أسرتي تانغ وسونغ إلى تعزيز التبادل الثقافي الطبي الواسع بين الشرق والغرب.
ومع ازدهار التبادل التجاري، وفد عدد كبير من التجار والأطباء القادمين من المنطقة العربية إلى مدن مثل تشانغآن، حيث مارسوا الطب لخدمة الناس، وأطلق عليهم المعاصرون لقب "الأطباء الأعاجم".
وتدرجت الأعشاب الطبية العربية التي جلبوها في القبول والاستخدام من قبل الأطباء الصينيين، كما سُجلت فعاليتها في الكتب الطبية الصينية القديمة مثل "شين شيو بن تساو" (هو مؤلف متخصص في علم الأدوية وضعته الحكومة في عهد أسرة تانغ) و "تشيان جين ياو فانغ" (هو إحدى أقدم الموسوعات الطبية الموجودة في الصين).
وقد انتقلت الحلبة إلى الصين بالضبط عبر هؤلاء الرسل الثقافيين من العالم العربي وبدأت تُزرع وتُنتشر تدريجيا. كما نُقل الاسم العربي "الحلبة" إلى الصينية صوتيا ليصبح "هو لو با"(hu lu ba).
لقد سجلت الكتب الطبية الصينية الفاعلية الأساسية للحلبة في "تنشيط الكلية لاستعاد قوّتها" و"طرد برودة في الجسم"، كما لخصت "انسجام الأدوية "عن الحلبة، وحفظت كذلك وصفة "حبة دواء للحلبة".
وفي عهد أسرة مينغ، وصف الطبيب الصيني الشهير لي شيجن خواص الحلبة الدوائية بأنها ذات طعم مر وطبيعة دافئة، وتستخدم لعلاج ضعف اليانغ، وأوضح بجلاء أن توجهها العلاجي يركز على الكلى والمثانة.
إلى جانب قيمتها الطبية، تُستخدم الحلبة أيضا كمادة غذائية وتوابل.
فقبل العصر الإسلامي، خلط العرب القدماء الحلبة مع الحليب والتمر لصنع "الفريق"، كمكمل غذائي للمرضى والنفساء.
وقد استمر هذا التقليد حتى اليوم، حيث ما تزال النفاس في البلدان العربية يتناولن أطعمة الحلبة مثل "الحسو" و"اللحوم" و"القبوط" لتقوية أجسادهن، كما أصبح "مديدة حلبة" وهو حلوى مميزة في منطقة السودان، خيارا مثاليا للتعافي بعد الولادة وزيادة الوزن.
ولا تقتصر شعبية الحلبة على العالم العربي فحسب، بل دخلت أيضا في التقاليد الغذائية الصينية.
ففي شمال غرب الصين، تُسمى الحلبة "حبوب العطر" أو "حبوب المرارة"، وتُستخدم كتوابل في المعجنات التقليدية مثل "جدائل الخبز بالبخار".
وقد أصبح عطرها المر الفريد ذاكرة ذوقية مشتركة لسكان شمال غرب الصين.
إن تاريخ الحلبة في الصين دليلا ساطعا على التبادل الثقافي بين الحضارتين العربية والصينية.
منذ اندماجها في نظام الطب الصيني التقليدي إلى إثرائها للثقافة الغذائية، حققت الحلبة انصهارا ثقافيا عميقا يظهر حيوية لا تُقهر. هذه البذرة الصغيرة، من ضفاف النيل إلى شبه الجزيرة العربية وصولا إلى الأراضي الصينية، تحمل في طياتها ذاكرة ثمينة لتبادل الحضارات عبر طريق الحرير.
ما نراه في هذا كله هو التفاعل التاريخي بين الحضارات القديمة الأكثر قيمة من الذهب، وهو البلورة الحكيمة المولودة من التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات.