الفساد سرطان الدولة: من ظلم الموظف إلى سعي الإصلاح
الكاتب الصحفى / عربى عيسى

عندما ترتاد مهنة البحث عن الحقيقة، تلك المهنة العريقة التي تمثل مرآة تعكس القيم النبيلة والعدالة، وتبني جسرًا من الشجاعة لقول الحقيقة، تتكشف لك العديد من الأسرار التي يعجز الكثيرون عن رؤيتها. لكن مع مرور الزمن، أدركت حقيقة صادمة: أن العديد من قضايا الفساد والرشوة التي تهيمن على مؤسسات الدولة تبدأ من نقطة واحدة أساسية: ظلم الموظف. إما ظلم من المديرين أو القهر الذي يمارسه الرئيس على مرؤوسيه. في حالات أخرى، قد يكون الدافع نحو الفساد هو الغضب الداخلي من المجتمع، أو معاناة نفسية يمر بها شخصيات تحتل مناصب مهمة، ما يجعلهم يعتقدون أنهم فوق القانون. في هذا المناخ المسموم، تنمو بذور الفساد، وتتكاثر فكرة الهروب من سطوة القانون، الذي لا يهدأ في محاربته للفاسدين والمجرمين. ومن هنا تظهر أهمية الدور الرقابي التي يلاحق هذه الظواهر ويسعى للقضاء عليها. يجب على الشعب المصري تقدير جهود هؤلاء المخلصين في مكافحة هذه الآفات التي تفتك بالجسد الوطني.
يشبه الكثيرون هذا النموذج الذي يتلذذ بتعذيب مرؤوسيه بالفكرة النفسية الشهيرة "الإنسان المقهور". الموظف الذي يجرد من إنسانيته بعد سنوات من المعاناة والإحباط، يصبح في النهاية جلادًا على من هم تحت سلطته. في الحقيقة، هو ليس ظالمًا فحسب، بل ضحية لنظام متحجر تعلم فيه أن يكون مجرد آلة لتنفيذ الأوامر دون أن يحصل على فرصة لإبداع أو تفكير خارج الحدود التقليدية. وعندما يتسلم هذا الموظف زمام القيادة، يفشل في ممارسة دوره بشكل فعال لأنه لم يتعلم كيفية التفكير الاستراتيجي أو التحلي بالإبداع. فهو ظل طوال سنواته العملية يؤدي المهام بدون ابتكار أو تطور، حتى أصبح عاجزًا عن اتخاذ قرارات هامة أو تقديم حلول حقيقية للمشاكل المتجددة.
وتستمر هذه النوعية من الموظفين في السير على نفس النهج الممل، غافلين عن حقيقة أن التغيير والابتكار هما السبيل الوحيد للنجاح في بيئة العمل الحديثة. يرفض هؤلاء القادة أي أفكار جديدة أو محاولات للتجديد، معتقدين أن الأمور تسير على ما يرام ما دام كل شيء كما هو. لكنهم يغفلون أن الإبداع هو أساس أي نجاح مستدام. وعندما يصل هؤلاء إلى قمة الهرم الإداري، تجدهم غالبًا في موقف من العجز عن مواجهة التحديات الحقيقية، وهم يطبقون قوانين جامدة لا تلبّي احتياجات الواقع المعاصر.
أما في صراع الأجيال، فإن الجيل القديم يعتقد أن سنوات الخبرة الطويلة هي مفتاح التفوق، بينما يرى الجيل الجديد أن التعليم والتدريب هو السبيل الأساسي للنهوض. هذا التنازع يخلق بيئة غير صحية في المؤسسات، حيث لا يتم الاستفادة من الطاقات الكامنة لدى الموظفين الجدد الذين يمكن أن يكونوا محفزًا حقيقيًا للتغيير. نتيجة لذلك، تظل المؤسسات جامدة، والابتكار مفقودًا، ويضيع العديد من الفرص الذهبية للتطوير.
وفيما يتعلق بالظلم الذي قد يتعرض له الموظف في مكان عمله، فإن هناك العديد من الأمثلة المأساوية على الفصل التعسفي أو التمييز القائم على العرق أو الدين أو حتى بسبب إبلاغ الموظف عن مخالفات إدارية. كما تتكرر حالات الفصل بسبب مرض طويل الأمد أو إعاقة جسدية، ما يعكس مستوى غير مقبول من التمييز. مثل هذه الممارسات يجب أن تواجه بحزم، من أجل ضمان احترام حقوق الموظفين ووقف الممارسات التي تهدد استقرارهم الوظيفي.
من هنا يأتي دور الحكومة في تعزيز منصب نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية، وهو هيكل حيوي إذا تم تنفيذ خططه بشكل جاد وفعال. فبإستراتيجية واضحة واستثمار حقيقي في الشباب والقيادات الجديدة، يمكننا بناء منظومة من التنمية المستدامة التي تجمع بين الأجيال الماضية والحالية والمستقبلية؛ وطالمًا توافرت الإرادة السياسية وهو ما نشهده حاليًا من تميز جهاز الرِّقابة الإدارية فى بتر العديد من قضايا الفساد، فإن مصر ستشهد تحولًا إيجابيًا نحو مستقبل مشرق يتسم بالشفافية والعدالة.
طالما أن الفكرة موجودة مع إرادة حقيقية وسياسية للتغيير، فإن الأمل في غدٍ أفضل سيكون ممكنًا، بإذن الله تعالى.