دكتورة فاتن فتحي تكتب: التمريض المنزلي.. الحل السحري لتقليل النفقات وزيادة جودة حياة المرضى والمسنين

بين تكلفة رعاية المسنين في المستشفيات والرعاية المنزلية… وكيف يشكل هذا الخيار أثرًا اقتصاديًا ملموسًا على الأسرة والدولة فإنه وفي ظل التغيرات الديموغرافية العالمية وارتفاع متوسط الأعمار، باتت مسألة رعاية المسنين وحاجاتهم الصحية واحدة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى. ومع تضخم التكاليف الصحية، تحوّل التمريض المنزلي إلى خيار استثماري ليس فقط في جودة الحياة، بل في ميزانية الأسرة وموارد الدولة.
تُظهر بيانات حديثة من الولايات المتحدة أن متوسط تكلفة غرفة شبه خاصة في دار رعاية للمسنين يصل إلى نحو 114,665 دولارًا سنويًا، في حين أن الغرفة الخاصة قد تتجاوز 131,500 دولارًا سنويًا، ما يعكس عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسر التي تحتاج إلى رعاية كاملة وطويلة الأمد.
في المقابل، تكاليف التمريض المنزلي تختلف بشكل كبير حسب الحاجة ونوعية الخدمة، لكن غالبًا ما تكون أقل تكلفة من إقامة دائمة في المؤسسات الصحية. في مصر، على سبيل المثال، تتراوح تكلفة التمريض المنزلي بحسب عدد الساعات ونوع الرعاية بين 150 جنيهًا للزيارة القصيرة إلى 1,500 جنيه يوميًا للحالات الخاصة أو المرافقة طويلة الأمد. هذا الفارق يمكن أن يمنح الأسرة مرونة أكبر في إدارة نفقاتها الصحية.
نفقات الأسرة: مقارنة مباشرة
تكلفة الرعاية المؤسسية تتضمن رسوم إقامة، طعام، مراقبة صحية متواصلة، وتجهيزات طبية، ولذلك تبقى عادة أعلى من الرعاية المنزلية التي تعتمد على طاقم مختص يقدم خدمات مباشرة داخل بيئة الأسرة. في الولايات المتحدة، يبلغ متوسط تكلفة الممرض الزائر في المنزل نحو 33 دولارًا في الساعة، ما يعني أن العائلة يمكن أن تختار مستوى الخدمة بما يتناسب مع دخلها واحتياجات المسن.
أما في مصر، فالمعدل المحلي لليوم الكامل للتمريض المنزلي يبلغ بين 900 إلى 1,500 جنيه يوميًا، أي ما يقارب 27,000 إلى 45,000 جنيه شهريًا (بافتراض 30 يومًا)، وهو خيار قد يكون أكثر توفيرًا من الاستشفاء الكامل للمريض في المستشفيات على مدى أشهر أو سنوات.
تكلفة الدولة والإنفاق الصحي العام
على المستوى الوطني، تستهلك المستشفيات وقطاع الرعاية طويلة الأمد نسبًا كبيرة من ميزانيات الصحة العامة، خاصة في ظل الأوبئة والأمراض المزمنة. وقد أظهرت دراسات أن تكاليف الرعاية الصحية للمسنين تمثل نسبة كبيرة من إجمالي نفقات الصحة في العديد من الدول، ما يضغط على ميزانيات الدولة ويحدّ من قدرتها على الاستثمار في قطاعات أخرى. بينما، يمكن للسياسات الداعمة للتمريض المنزلي أن تُخفّض العبء على البنى الصحية الرسمية وتعيد توجيه الموارد إلى الوقاية والتعليم والصحة الأولية.
في الولايات المتحدة مثلاً ارتفعت تكلفة الرعاية المنزلية بسرعة تجاوزت معدل التضخم، حيث زادت نحو 10% في عام واحد مقارنة بزيادة التضخم العامة بـ3٪ فقط، مما يعكس الطلب المتصاعد على هذه الخدمة كبديل أقل تكلفة وأقرب إلى راحة الأسر.
جودة الحياة وأثرها غير المالي
ورغم أن الحديث هنا يدور حول الاقتصاد المنزلي، إلا أن جودة حياة المسن داخل بيئته الأسريّة لا تقل أهمية عن الأرقام. تشير الدراسات إلى أن كبار السن يفضلون البقاء في منازلهم، وأن ذلك يرتبط بتحسن نفسي وصحي، أقل تعرضًا للعدوى، وأكثر تواصلًا اجتماعيًا وعاطفيًا مع الأسرة. وهذه العوامل يمكن أن تقلل بدورها من نفقات إضافية مرتبطة بزيارات الطوارئ أو مضاعفات الإقامة في المستشفيات.
أسرٌ عديدة بدأت بالفعل في تحويل خيارها من الاعتماد على المؤسسات الصحية إلى الرعاية المنزلية. تحكي أسرة مصرية عن جدها الذي بعد عملية جراحية كبيرة، قررت العائلة الاستعانة بتمريض منزلي لحاجته لدعم مستمر، ما وفر عليهم تكاليف التنقل، وتكدّس الفواتير، وأتاح له بيئة أكثر دفئًا ورعاية شخصية مستمرة.
التمريض المنزلي استثمار في الإنسان والاقتصاد
في ظل الزيادة المتوقعة في عدد المسنين عالميًا خلال العقد القادم، يُصبح التمريض المنزلي ليس فقط خيارًا بديلًا للرعاية التقليدية، بل استثمارًا اقتصاديًا ذكيًا للأنظمة الصحية وللأسر على حدّ سواء. من خلال تخفيض التكاليف، تحسين جودة الرعاية، وتعزيز الاستقلال الاجتماعي للمسن، يمكن لهذا النموذج أن يشكّل ركيزة صحية واقتصادية هامة في المستقبل المنظور.
أخيرا .. يلعب التمريض المنزلي دورًا حيويًا في دعم المرضي والمسنين نفسيًا وإنسانيًا، إذ يضمن لهم البقاء في بيئة مألوفة بين أفراد الأسرة، بما يخفض مستوى القلق ويعزز الراحة النفسية للمرضى،ويضمن كذلك المتابعة المستمرة للحالة الصحية مما يقلل المضاعفات ويحد من زيارات الطوارئ، بينما يوفر الطاقم التمريضي رعاية شخصية دقيقة على مدار اليوم تتكيف مع احتياجات كل فرد، حيث يصبح التمريض المنزلي جسرًا بين العلاج الطبي وجودة الحياة الأسرية، جامعًا بين الرعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي في آن واحد.