الصمت في” المساحات البيضاء”.
بقلم : عبير العربي
في زوايا الحياة التي لا نملأها بكلمات في لحظات الصمت التي تسبق القرار، أو تلي الانكسار... هناك مساحات بيضاء لا يراها إلا من تعلّم الإصغاء إلى ما لا يُقال.
هذه المساحات ليست فراغًا كما قد يظن البعض، بل هي امتلاءٌ خفي، مكتظةٌ بالمعاني، ناصعةٌ بالسكينة، موحِيةٌ كأنها همسُ الروح حين تتوقف اللغة عن أداء وظيفتها.
نحن نكتب، ونحكي، ونصرخ، لكننا لا ننتبه أن ما بين السطور، ما بين الأنفاس، ما بين النظرات، هناك صمتٌ أبلغ من ألف عبارة.
هو صمت لا يفرّغنا، بل يرممنا، لا يعزلنا، بل يعيدنا إلى أنفسنا.
في كل علاقة إنسانية، هناك لحظة تصمت فيها الكلمات، وتُختبر فيها القلوب، حين يخذلنا التعبير، نترك المساحات البيضاء تتكلم عنا، دمعة لم تُذرف، ابتسامة كُتمت، يد تراجعت في اللحظة الأخيرة، كلها لغات لا تُنطق، لكنها تُفهم.
وفي التأمل، في الدعاء، في السجود الطويل حيث لا نطلب شيئًا، هناك صمت مقدّس، نكتب فيه دعاءنا بخيوط النية، ونلوّن المساحات البيضاء من داخلنا بنور اليقين.
ربما لهذا السبب يخيف الصمت البعض،
لأنه لا يملك غطاء الكلمات ليخفي هشاشتنا، ٥
لكن الصمت ليس هشاشة، بل قوة صافية، من نوع آخر، هو إعلان ضمني بأننا نثق، ننتظر، نعرف، وإن لم نقل.
الصمت في المساحات البيضاء، هو الحضور الخفي لله في كل لحظة لا نفهمها بعد، هو المعنى الذي لا يظهر فورًا، لكنه حين يتجلّى، نكون قد نضجنا لنفهمه، فنتعامل بكل معانيه الصامتة، فنملأ الكون حراك، نخرج الصمت عن التزامه الأبدي، من محرابه الذي طال تعبده داخله، إلى هذا الحيز المتشابه أخيرا في ملامحه، عفوية روحه، وقدرته على استمراريتنا التي ظننا إنها قد فارقتنا دون عوده، لنراها تسكنا هناك، هنا داخل تلك المساحة البيضاء، التي لا تزال بيضاء، على غير ما ظننا، وغير ما توقعنا.