ختام ناجح لكرنفال اوسو سوسة الدولي


لم تكن هذه الليلة مجرد ختامٍ لاحتفاليةٍ استمرت خمسة عشر يومًا، بل كانت لحظةً تاريخيةً جمعت بين التراث والإبداع، حيث امتزجت أصوات الفرق الفلكلورية بألوان العربات الرمزية، وتألقت سماء سوسة بأضواء الألعاب النارية التي شكلت لوحاتٍ بصريةً ساحرة.
في هذا الختام، برز عرض السيارات المزينة والدمى العملاقة، إلى جانب سيارةٍ رمزيةٍ تحمل هوية فلسطين، كتعبيرٍ عن التضامن والإنسانية، ليترك الكرنفال بصمةً لا تُنسى في قلوب أكثر من 200 ألف متفرج.
ختامٌ مهيب: الموكب الكبير وعرض السيارات والدمى العملاقة
كان الموكب الختامي في 27 يوليو 2025 تتويجًا لخمسة عشر يومًا من الاحتفالات التي جمعت بين الفنون والتراث والفرح.
شوارع سوسة، التي اكتظت بالزوار من تونس وخارجها، تحولت إلى مسرحٍ مفتوحٍ ينبض بالحياة.
قاد الموكب أكثر من 14 عربةً رمزيةً صُنعت بأيادٍ تونسية، مزينةً بتفاصيل دقيقة تعكس تنوع الثقافة التونسية، من الفلاحة والصناعات التقليدية إلى السياحة والتكنولوجيا.
كل عربةٍ كانت بمثابة لوحةٍ فنيةٍ متحركة، تحكي قصةً من قصص الشعب التونسي، مصحوبةً بموسيقى الفلكلور التي ألهبت حماس الجماهير.
إلى جانب العربات، برزت الدمى العملاقة كنجومٍ لافتةٍ في العرض.
هذه الدمى، التي تجاوز ارتفاع بعضها ثلاثة أمتار، صُممت بعناية لتجسد شخصياتٍ أسطوريةً وتاريخية، مثل "بابا أوسو"، الشخصية المستلهمة من فسيفساء متحف سوسة، التي تُمثل إله البحر نبتون.
تحركت الدمى بسلاسةٍ وسط الحشود، بفضل مهارة الفنانين والمتطوعين الذين أدّوها بحيويةٍ وإتقان، مضيفين بُعدًا مسرحيًا مبهرًا.
كانت هذه الدمى، بألوانها الزاهية وتصاميمها الإبداعية، تعبيرًا عن الخيال التونسي الخصب، حيث التقت الأساطير القديمة بنبض الحاضر.
عرض السيارات المزينة كان بمثابة قلب الموكب النابض، حيث تضمنت سياراتٍ مزخرفةً بزينةٍ مستوحاة من التراث التونسي، مثل النقوش الأمازيغية والفسيفساء الرومانية، إلى جانب تصاميم حديثة تعكس التطور التكنولوجي والاقتصادي.
كل سيارةٍ حملت رسالةً بصريةً، سواء كانت تمثل الحياة البحرية، كالسفن والشباك التقليدية، أو الحرف اليدوية مثل النسيج والخزف.
هذه السيارات، التي اجتازت شوارع سوسة ببطءٍ مهيب، رافقها فنانو الشوارع والراقصون، ليخلقوا تجربةً بصريةً وسمعيةً تأسر الحواس.
سيارة فلسطين: رمز التضامن والإنسانية
في لحظةٍ مؤثرةٍ خلال الموكب، لفتت سيارةٌ رمزيةٍ تحمل هوية فلسطين أنظار الجماهير، لتصبح واحدةً من أبرز معالم الختام.
هذه السيارة، التي صُممت بعناية فائقة، زُينت بألوان العلم الفلسطيني وصورٍ رمزيةٍ مثل قبة الصخرة وأغصان الزيتون، رمز السلام والصمود.
رافق السيارة عرضٌ فلكلوريٌ قدمته فرقةٌ فلسطينية، قدمت رقصات الدبكة التقليدية التي ألهبت حماس الحاضرين.
كانت هذه المشاركة بمثابة رسالةٍ قويةٍ من كرنفال أوسو، تعبر عن التضامن مع الشعب الفلسطيني وتؤكد على البُعد الإنساني للمهرجان.
السيارة، التي تقدمت في الموكب وسط تصفيق الحشود، حملت شعارًا مكتوبًا بالعربية والإنجليزية: "فلسطين في القلب"، مما أثار تأثر الجمهور وأضاف بُعدًا سياسيًا وثقافيًا للحدث.
وليد بن حسن، رئيس جمعية استعراض أوسو، أشار في تصريحٍ خاص إلى أن إدراج سيارة فلسطين جاء ليعكس روح المهرجان كمنصةٍ للتعبير عن القيم الإنسانية والتضامن مع القضايا العادلة، مشددًا على أن "أوسو ليس فقط احتفالًا بالتراث التونسي، بل هو جسرٌ يربط شعوب المنطقة بروح الوحدة والسلام".
عودة إلى فعاليات الكرنفال
بدأت الدورة الثانية والستين في 13 يوليو 2025 بأنشطةٍ شاطئيةٍ مفعمةٍ بالحيوية على شاطئ بوجعفر، حيث جذبت الألعاب الرياضية والمسابقات العائلات والشباب في أجواءٍ صيفيةٍ ودية.
وفي 23 يوليو، أحيا الفنان رؤوف ماهر ساحة المدن المتآخية بأمسيةٍ موسيقيةٍ أسرت القلوب.
أما ليلة 25 يوليو، التي تزامنت مع عيد الجمهورية التونسية، فقد شهدت عرضًا استثنائيًا للألعاب النارية استمر ساعةً كاملة، وصفه بن حسن بأنه "لوحةٌ فنيةٌ تضاهي أجمل العروض العالمية".
وفي 26 يوليو، انتقلت الأجواء إلى مرسى القنطاوي، حيث قدمت فرقة "النجمة الذهبية" الجزائرية عرضًا راقصًا، تلته زفةٌ ليبيةٌ ساحرةٌ بقيادة فرقة محمود العجيلي، لتتحول الشوارع إلى بحرٍ من الألوان والإيقاعات.
جذورٌ تمتد عبر الأزمان
كرنفال أوسو ليس مجرد حدثٍ موسمي، بل هو امتدادٌ لتاريخٍ يعود إلى طقوسٍ وثنيةٍ تحتفي بإله البحر نبتون، منذ العصر الفينيقي والروماني.
كلمة "أوسو"، المستمدة من التقويم الأمازيغي، تشير إلى موسم الحرارة الصيفية، حيث كان الفلاحون يجتمعون لتبادل الغلال.
تأسس المهرجان عام 1958 على يد عبد الحفيظ بوراوي ومحمد زرقاتي، ليتحول من موسمٍ فلاحيٍ إلى كرنفالٍ عالمي، يجسد شخصية "بابا أوسو" المستلهمة من فسيفساء متحف سوسة.
رغم توقفه ثلاث سنوات بسبب ظروفٍ استثنائية، ظل المهرجان رمزًا للصمود الثقافي، مدعومًا بحماس التونسيين وتزامنه مع ذكرى إعلان الجمهورية في 25 يوليو 1957.
لوحةٌ فنيةٌ وثقافية
يُعد كرنفال أوسو سيمفونيةً تجمع بين الأصالة والإبداع. العربات الرمزية والدمى العملاقة تحكي قصصًا عن الحياة التونسية، بينما تضيف العروض الموسيقية، كتلك التي قدمها إسكندر الزرن وبليغ بن قزي "بوبو"، لمسةً شبابيةً عصرية.
منصة "طريق النجوم" تُطلق المواهب الشابة، مثل محمد علي الشلالي، إلى العالمية، مما يجعل المهرجان ملتقىً للأجيال.
مشاركة فرقٍ من الجزائر وليبيا وفلسطين عززت من بُعده الإقليمي، ليصبح جسرًا ثقافيًا يربط شعوب المنطقة.
محركٌ للسياحة والاقتصاد
يجذب المهرجان أكثر من 200 ألف زائرٍ سنويًا، يساهمون في تنشيط الاقتصاد المحلي عبر دعم التجارة والسياحة. التنظيم المحكم، بالتعاون مع والي سوسة وأجهزة الأمن، ضمن إدارة الحشود بسلاسة، مما عزز صورة تونس كوجهةٍ ثقافيةٍ آمنةٍ ومبهجة.