خالد مصطفى يكتب: حكايات من لندن

كل منا ينظر إلى الدول الأوروبية على أنها دول متقدمة خالية من السلبيات لكن لا أحد منا يستطيع أن يحكم على تلك الدول إلا إذا عاش فيها وأكتشف بنفسه الفرق بين الديمقراطية واللاديمقراطية لذلك دعونى أحكى لكم بعض من الحكايات التى عايشتها بنفسى فى بريطانيا وهى مختلطة مابين العدل الواضح والفساد الواضح نبدأ
أول حكاية : فى عام ٢٠١٠ إعتدى شاب أبيض على شاب أسود فى شمال لندن تحديداً بالقرب من إستاد فريق توتنهام فتوفى الشاب الأسود
فى الحال فحدثت حالة تمرد إمتدت من شمال لشرق لغرب حتى وصلت لوسط العاصمة لندن وشهدت العاصمة أكبر حالة سطو فى تاريخها خاصة فى أكبر شارع تجارى فى العالم
وهو (Oxford Street ) سيطرت على العاصمة حالة من الشلل التام وعجزت الشرطة البريطانية فى السيطرة على الموقف نظراً لأن الشرطة لاتحمل سلاح فخرج علينا حينذاك رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون وقال بمنتهى الوضوح هنستعين بثلاثة آلاف من عساكر المارينز الأمريكي للسيطرة على الموقف ومش عايز حد يكلمنى عن حاجة إسمها حقوق الإنسان وبالفعل تعاملت الشرطة الأجيرة بمنتهى القسوة مع الأوضاع بل سيطرت عليها خلال ساعات وألقت القبض على مجموعة كبير من أصحاب البشرة السوداء وأفرجت عنهم بعد هدوء الأوضاع وهنا أدركت ان دكاكين حقوق الإنسان تستخدمها الأنظمة الاوروبية فقط حينما تريد الضغط على الأنظمة العربية
الحكاية الثانية : تقع رئاسة مجلس الوزراء البريطاني بالقرب من مقر مجلس العموم ومقر الرئاسة هو المكان المخصص لرئيس الوزراء خلال فترة عمله يقابل فيه مختلف الضيوف وتقام أمامه اغلب المؤتمرات الصحفية للحكومة وقد حددت المملكة مبلغاً محدداً لفاتورة الكهرباء الشهرية على سبيل المثال يجب ألا تتعدى الفاتورة مبلغ الخمسة وثلاثون ألف جنيه إسترلينى كل شهر
وفى أثناء بعض اللقاءات الصحفية لرئيس الوزراء السابق جوردن براون لاحظ أحد الصحفيين فاتورة كهرباء على أحد الترابيزات وإجمالي مبلغ الفاتورة تخطى حاجز الأربعين ألف جنيه فقام بتصويرها على الموبايل وارسلها للجريدة التى يعمل بها وأثناء اجتماع رئيس الوزراء بالصحفيين تصدرت الفاتورة الصفحات الأولى لأغلب الجرائد وقامت الدنيا ولم تهدأ الأمور وبعد ساعات قليلة إستدعى مجلس العموم البريطانى رئيس الحكومة وقام بتوبيخه وشهدت القاعة حالة من الإستياء بسبب تجاوز رئيس الحكومة للحد الأقصى لفاتورة الكهرباء وأجبره النواب على دفع المبلغ الذى تخطى الحد المسموح له فى الإستهلاك من ماله الخاص وبالفعل دفع رئيس الحكومة فرق الفاتورة
الحكاية الثالثة : حددت معاهدة فرساي كيفية التعامل بين بريطانيا والولايات المتحدة من جهة وبين ألمانيا وإيطاليا واليابان من جهة اخرى حيث حرمت المعاهدة تلك الدول من إمتلاك الجيوش القوية وتصنيع الأسلحة لتقوية هذه الجيوش بل وفرضت عليهم المعاهدة إنهم يلعبوا فى مناطق صناعة السيارات والتكنولوجيا أما السلاح فهو للتصدير فقط وليس لحماية تلك الشعوب وأثناء رئاسة ميركل للحكومة الألمانية تعاملت مع أكثر من رئيس فرنسى خلال فترة تواجدها حيث حاولت أكثر من مرة أن تدفع رئيس فرنسا للتحدث مع رئيس الحكومة البريطانية من أجل إنشاء جيش اوروبى موحد وأن تتاح الفرصة لإيطاليا وألمانيا واليابان بتكوين جيوش قوية وتسليحهم بأحدث الأسلحة لمواجهة المتغيرات التى تحدث على الساحة الدولية فلم يستجيب لها إلا الرئيس (ساركوزى) وأثناء زيارته للمملكة المتحدة تحدث فى مؤتمر صحفى مع كاميرون رئيس الوزراء البريطانى بخصوص المعاهدة وتسليح تلك الدول وزيادة عدد أفراد القوات المسلحة لكل دولة فوجئنا بديفيد كاميرون يصرخ فى وجه ساركوزى خلال المؤتمر وقال له نصاً (إنت عبيط) هذه ليست مهنتك وطلبك غير مجاب ثم تركه ودخل مسرعاً لمقر مجلس الوزراء وأغلق الباب فعاد ساركوزى لفرنساً محملاً بخيبة أمل كبيرة والمفاجأة بعدها بعدة أشهر كانت الإنتخابات الفرنسية فأسقطوا ساركوزى بل لاحقتها العديد من المشاكل القضائية بعد ذلك لتتجسد الصورة الحقيقية للديمقراطية فى بريطانيا
الحكاية الأخيرة : فيها بارقة أمل وصورة جميلة تصدر للعالم توضح بأن لا أحد هناك أكبر من القانون حيث إلتقط الرادار سيارة مسرعة تجاوزت الحد المسموح وبعد مراجعة الكاميرات تعرفوا على إسم المالكة من خلال رقم السيارة وهى السيدة فيونا أوناسنيا النائبة فى مجلس العموم البريطانى تم إرسال رسالة على تليفونها الخاص بالمخالفة وقدرها ١٠٠ جنيه إسترلينى وتم خصم ثلاث نقاط من رخصة القيادة الخاصة بالنائبة
فى اليوم التالى للمخالفة إتصل شقيق التائبة بالشرطة وأبلغها بأنه هو من كان يقود السيارة لحظة التجاوز للسرعة إهتمت الشرطة بالبلاغ وقامت بتفريغ الكاميرات مرة أخرى والكشف على شقيق النائبة فااكتشفوا أنه كان خارج البلاد وقت حدوث المخالفة فتحول الموضوع فوراً إلى القضاء وتم حبس الأخ ستة أشهر للكذب على الشرطة وتعطيل مجرى العدالة وحبس النائبة ثلاثة أشهر للكذب وإرغامها على الإستقالة من مجلس العموم الحكايات مختلفة حيث كشفت لنا صور عديدة ومختلفة تجمع بين الديمقراطية المزيفة والعدل لكن يجب علينا أن لانندهش من تلك الحكايات فهناك الأسوء منها فى كل شارع
من شوارع الدول المتقدمة ولا نتعجب من الوجوه المتعددة لتلك الأنظمة لأن مضامين الحياة هناك مشوهة لأنهم يصدرون للعالم صوراً مغايرة للواقع المرير الذى يعيشه الملايين من شعوب الدول التى تتصدر المشهد العالمى بأكاذيب مايسمى بحقوق الإنسان فالدولة التى يقف معظم شعبها تحت شباك النافذة لمشاهدة إنقاذ قطة متعلقة على طرف النافذة هى نفس الدولة التى ألقت القنبلة على مدينة هيروشيما اليابانية لتنهى الحرب العالمية الثانية إذا لا يجب علينا أن نأخذ من الديمقراطية الغربية نافذة لكى نتنفس منها الهواء لأنها بالفعل ديمقراطية مزيفة