رضوان الميموني يكتب: المغرب وفلسطين.. دعم تاريخي وحضور سياسي وديني منذ عهد صلاح الدين

منذ إعلان قيام دولة الإحتلال عام 1948 على الأرض العربية، انخرط المغاربة، كغيرهم من الشعوب العربية، في حالة صراع مع الكيان المحتل، حيث شارك عدد منهم في جيش المتطوعين العرب في حرب 1948، واستشهد أكثر من عشرة مغاربة في معارك في القدس ويافا وحيفا.. كما اعتقلت إسرائيل في عامي 1971 و1972 ثلاثة مغاربة كانوا ينتمون لقوى الثورة الفلسطينية.
في عام 1975، أسست منظمة المؤتمر الإسلامي لجنة القدس، وأسندت رئاستها للملك الحسن الثاني سنة 1979. ولاحقًا، أُنشئت وكالة بيت مال القدس الشريف سنة 1998، التابعة للجنة القدس، ومقرها المغرب، بهدف دعم القطاعات الحيوية في المدينة المقدسة، بما يشمل الصحة والتعليم والإسكان وصون التراث الإسلامي.
وقد أنشأت المملكة المغربية بعثتها الدبلوماسية لدى السلطة الفلسطينية عام 1996 في غزة، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى رام الله. وفي 2 مارس 2023، اتفق وزير الاقتصاد الوطني الفلسطيني خالد العسيلي وممثل المغرب لدى فلسطين عبد الرحيم مزيان على تأسيس لجنة اقتصادية مشتركة بين البلدين.
وبخلاف التأييد الشعبي المغربي الكبير للقضية الفلسطينية، إلا أن العلاقات بين المغرب وبعض الفصائل الفلسطينية عرفت توترًا في فترات معينة، نتيجة للتقارب الأيديولوجي بين بعض القيادات الفلسطينية وجبهة البوليساريو، وهو ما اعتبرته الرباط مسًا بوحدتها الترابية.
يرأس الملك محمد السادس حاليًا لجنة القدس، وهي هيئة تابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتتخذ من الرباط مقرًا لها، ومهمتها حماية القدس من محاولات تهويدها وطمس طابعها العربي والإسلامي. تتولى اللجنة اقتراح المبادرات المناسبة للدول الأعضاء في المنظمة، وتنفيذ قرارات مؤتمراتها، كما ترفع تقريرًا سنويًا لمؤتمر وزراء الخارجية.
إضافة إلى اللجنة، جاءت وكالة بيت مال القدس الشريف كمبادرة من الملك محمد السادس خلال اجتماع اللجنة الـ 15 في مدينة إفران سنة 1998. وتهدف الوكالة إلى تنفيذ مشاريع تنموية في القدس في مجالات الصحة والتعليم والإسكان، إضافة إلى الاهتمام بالمرأة والشباب والطفولة والفئات الهشة، كما تعمل اللجنة بالتنسيق مع منظمات دولية لحماية القدس، وتقترح تدابير عملية على الدول الأعضاء في المنظمة، كما تُصدر تقارير سنوية وترفعها للمؤتمرات الوزارية.
كما نجحت جهود الملك محمد السادس في معالجة أزمة الأموال الفلسطينية المحتجزة لدى إسرائيل، والتي تبلغ 502 مليون شيكل (نحو 138 مليون دولار).. وكانت إسرائيل قد علّقت تحويل هذه العائدات بسبب دعم السلطة الفلسطينية للأسرى والشهداء، وزادت القيود بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 بحجة الخشية من وصول الأموال إلى حركة حماس، ما أدى إلى أزمة مالية حادة وعجز عن دفع رواتب الموظفين.
وقد عقدت لجنة القدس 20 دورة، أغلبها في المغرب، باستثناء واحدة في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. كانت أولى هذه الدورات في 2 و3 يوليو 1979 بمدينة فاس، حيث دعت اللجنة حينها مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات لحماية الحقوق الفلسطينية ووقف العدوان على القدس.
في أبريل 1984، عقدت دورة استثنائية بدعوة من الحسن الثاني لمواجهة مخططات تهويد القدس، وإفراغها من سكانها العرب، وتحذيرًا من محاولات نقل سفارات بعض الدول إلى المدينة. كذلك، عقد اجتماع في مراكش عام 1986 إثر محاولة تدنيس المسجد الأقصى من قبل أعضاء في الكنيست الإسرائيلي.
أما الدورة العشرون، فقد عُقدت أيضًا في مراكش، وركزت على دعوة المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان، ودعت الدول الأعضاء لدعم مشاريع مقاومة التهويد.
في فبراير 2024، جدد المغرب، أمام محكمة العدل الدولية، التزامه الراسخ تجاه القضية الفلسطينية ودعم قيام دولة فلسطينية على حدود 1967. كما أشادت منظمة التحرير الفلسطينية بمرافعة المغرب التي أكدت تمسك المملكة بالوضع القانوني والسياسي للقدس.
إن التأكيد على تميز العلاقات الثنائية بين الشعبين المغربي والفلسطيني أمر مقطوع بتيقنه، ودور المغرب التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، وحماية القدس ودعم المقدسيين، هو ديدن ودأب جلالة الملك محمد السادس عاهل المغرب، كما فعل أسلافه من السلاطين المغاربة الذين دعموا صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس.
كما أن تجربة المغرب في مجالات التشغيل والضمان الاجتماعي، والسماح بابتعاث طلاب فلسطينيين للتكوين المهني في المغرب يؤكد الدعم المغربي واستعداد المملكة لتعزيز التعاون الثنائي في كافة المجالات، وخصوصًا في مجالي التشغيل والتنمية الاقتصادية.
أما عن الإرث المغربي في القدس فإن باب المغاربة وحارة المغاربة يؤكدان ارتبط المغرب تاريخيًا بالقدس، خاصة منذ معركة حطين عام 1187، عندما استجاب السلطان يعقوب المنصور الموحدي لنداء صلاح الدين الأيوبي وأرسل أسطولًا مغربيًا كبيرًا لدعم جيش تحرير القدس. لعب الجنود المغاربة دورًا بارزًا في اقتحام أحد أكثر أبواب المدينة تحصينًا، وأسهموا في تحقيق النصر.. وقد كرّم صلاح الدين المقاتلين المغاربة بتسمية "باب المغاربة"، وخصص لهم حيًا سكنيًا باسم "حارة المغاربة" بجوار المسجد الأقصى، لتكون مأواهم ومقر أسرهم، وقد جعل السلطان الأفضل الأيوبي هذه الحارة وقفًا أبديًا للمغاربة، يمنع بيعها أو تغيير وظيفتها.
بلغت مساحة الحارة نحو 145 ألف متر مربع، واحتوت على 135 مبنى من بيوت ومدارس ومساجد وزوايا، وكانت مركزًا دينيًا وعلميًا في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية.
ورغم تدمير إسرائيل لحارة المغاربة بعد احتلال القدس في 1967، لا تزال بعض العائلات ذات الأصول المغربية تعيش في فلسطين، منها عائلات: المصلوحي، العلمي، السوسي، الريفي، والفيكيكي، وهو ما يعكس استمرار الوجود المغربي في القدس.
كما يُعد "باب المغاربة" رمزًا خالدًا يربط بين المغرب والقدس، وهو شاهد على الدور البطولي للجنود المغاربة، وعلى مساهماتهم في حماية المقدسات الإسلامية. كما يعكس الاسم التقدير التاريخي للمغرب ومساهمته في تحرير المدينة.
لقد كان للمغرب، ملوكًا وشعبًا، دور حاسم في دعم القضية الفلسطينية، دينيًا وسياسيًا، وعبر مشاريع تنموية وإنسانية متواصلة في القدس.. وتبقى رئاسة لجنة القدس من طرف الملك محمد السادس تجسيدًا لهذا الالتزام التاريخي والروحي، وبرغم التحديات السياسية والاحتلال الإسرائيلي، يواصل المغرب نصرة فلسطين والقدس، ماديًا ودبلوماسيًا، في ظل إرث طويل من الدعم والتضامن الراسخ بين الشعبين المغربي والفلسطيني.