زياد الرحباني ... وداعاً لصوت الضمير وسخرية الموجوعين ذلك العازف على اوتار وجعنا بصمت
بقلم : أمل المنسى
في السادس والعشرين من يوليو 2025 ، انطفأ أحد أكثر الأصوات صدقاً في تاريخ الفن العربي .
رحل زياد الرحباني ، المبدع ، المشاكس ، الموجوع ، الثائر ، المحب حتى النخاع ، رحل ابن فيروز رفيق وجداننا ، وترك خلفه فراغ لا يملأه أحداً .
الفنان الذي لم يطلب التصفيق
لم يكن زياد فناناً عادياً.
ولد في حضن العبقرية ، لأب هو عاصي الرحباني ، وأم هي جارة القمر ، فيروز . لكنه لم يتكئ على إرثه ، بل شق طريقاً مليئاً بالأشواك .. طريقاً اختاره بإرادته .
أعماله المسرحية كانت مرآة للوجع اللبناني ، والسخرية التي تخفي في طياتها أشد الآلام . من " سهرية" إلى " نزل السرور" ومن " بالنسبه لبكرا شو ؟" إلى "فيلم امريكي طويل "
كان زياد هو صوت الناس التي أرهقت وتعالى أنينها ولكنها لم تسقط .
عبقرية اللحن والكلمة
في موسيقاه ، مزج زياد الجاز الغربي بروح المقامات الشرقية فأنتج نغمة لا تشبه إلا قلبه .
ألحانه لم تكن مجرد موسيقى ؛ كانت محادثة طويلة مع وطن يتأرجح بين الحرب والحب ، بين الحلم والانكسار ، ألحانه تشبه بيروت حين تتجمل رغم الخراب
كتب لفلسطين ، للعمال ، للطلبة ، للحب المستحيل ، للأمل المكسور .
وكان دائما يضحك ...لكن ضحكتة كانت تحمل وجع مدينة لقد سخر من الحياة وجعلها مجرد مزحه .
فيروز ... أم تشيع جثمان ابنها بصمت وشموخ .
لم يكن زياد فناناً فقط ، بل كان أيضاً ابناً لفيروز ، ذاك الصوت الملائكي الذي غنّى للعشاق والغرباء ، للمنافي والجبال ، للطيور والطرقات .
اليوم ، تبكي بدمع لم يُرَ ، لكنها قالت كل شيء في صمتها ، وفي نظرتها الأخيرة إلى نعش ابنها .
فيروز التي شيعت عاصي بالاغاني ، شيعت زياد بالصمت .
لن يموت من أيقظ أرواحنا
زياد لم يمت .
كيف يموت من جعلنا نضحك وسط الحرب ؟
كيف يموت من علمنا أن نغني رغم كل شيء ؟
سيبقى زياد حياً في كل وتر ، في كل عبارة قالها يوماً... قال في الوطن ...
" الوطن مش مطار بنروح ومنرجع عليه ، الوطن شي بيمشي معنا وين ما رحنا "
وقال أيضاً عن الحب ...
" بحبك بلا ولا شي ... ولا فيه بها الحب مصاري .. ولا ممكن فيه ليرات .. ولا ممكن فيه اراضي .. ولا فيه مجوهرات.
في زمن كل شيء يقاس بالفلوس جعل زياد الحب اغلى وأثمن الاشياء .
وداعاً زياد ...
لقد قلت كل شيء ، فالصمت على رحيلك أبلغ الكلام .