رحلة نبات الراوند: من طب الصين إلى موائد أوروبا، مرورا بمختبرات المسلمين

د.همام وانغ قوانغيوان
بروفيسور اللغة العربية وأدآبها بجامعة بكين للغات والثقافة
في قلب الصين القديمة، نشأت قصة نبات غيّر مسار التاريخ الطبي للبشرية ،وهوالراوند" (دا هوانغ)" فكان أحد أثمن الكنوز في التراث الصيني، حيث سجل كتاب "شينونغ بن تساو جينغ" أقدم دستور للأعشاب الطبية في التاريخ - فوائده العجيبة في "تطهير الجسم من السموم، وتنقية الدم، وعلاج الأمراض المستعصية".
والاسم الصيني لنبات الرواند هو (بينيين) دَاهْوَانْغ (Dàhuáng - 大黄) بينما في اللغة الإنجليزية يسمي بـ:(Rhubarb) أو (Tangute Rhubarb) أما اسمه باللاتينيRhei Radix et Rhizoma)
اقرأ أيضاً
إعادة تشغيل وحدة العامرية الشرقية الصحية برشيد لتوفير خدمات صحية لسكان المنطقة
صحة الشرقية: لأول مرة إجراء جراحة دقيقة لتركيب مفصل الفخذ لإنفاذ مريض من الإعاقة
صحة الشرقية: تقديم الخدمة لأكثر من ٣٦ ألف سيدة بحملة «مشوار الألف الذهبية.. يبدأ بخطوة»
رئيس الوزراء يتفقد مشروعات خدمية وتنموية بالغربية.. وأولوية للمشروعات الصحية
الإنتر يحقق فوزًا مثيرًا على برشلونة ويتأهل لنهائي الأبطال
وكيل وزارة الصحة بالشرقية يفتتح فعاليات الدورة التدريبية المكثفة للغسيل الكلوي
صحة الشرقية: تقديم الخدمة لأكثر من ١٨ ألف سيدة بحملة «مشوار الألف الذهبية.. يبدأ بخطوة»
صحة الشرقية.. مجازاة طبيب وتمريض الإستقبال بمستشفى أبوكبير المركزي
صحة الشرقية تشارك في إحتفالية مستشفى الصدر باليوم العالمي لنظافة الأيدي
لدعم طلاب الثانوية ”مستقبل وطن بمركز فاقوس الشرقية” يطلق مراجعات دراسية نهائية مجانية الثلاثاء القادم
صحة الشرقية تحتفل بمرور عام على إنشاء وحدة غسيل الكلى للأطفال بمستشفى أبو كبير المركزي
بعد اعتدائه على المفتشين.. صحة الشرقية تتمكن من ضبط منتحل صفة طبيب ”استشاري نفسي” ويدير عيادة بدون ترخيص بمدينة العاشر
وفي عصر أسرة هان (202 ق.م - 220 م)، تعمقت دراسته حتى أصبح من أهم الأدوية في الممارسة الطبية اليومية.
لم تبق شهرة الراوند حبيسة حدود الصين، فعبر طريق الحرير، وصل إلى الإمبراطورية الرومانية حيث حظي بتقدير استثنائي.
يروي كتاب "سجلات غرب الصين" كيف كان التجار يبيعونه "بعشرة أضعاف وزنه ذهبا"، وكيف اعتقد الناس أنه "شفاء لكل داء"، حتى صار تناوله السنوي عادة يعتقدون أن تركها يؤدي إلى الهلاك.
وبينما تسارع الزمن إلى القرن السابع عشر، بدأت أوروبا رحلتها الخاصة مع الراوند. في عام 1608، جرت أول محاولة لزراعته في إيطاليا، ثم أصبحت هولندا بحلول 1640 مركزا رئيسيا لتجارته. وفي عام 1777، نجح الصيدلاني البريطاني هايوارد في تطوير سلالة طبية خاصة.
لكن المفاجأة كانت في تحوله التدريجي من دواء إلى غذاء: فاليوم، تمتد حقول الراوند في ميشيغان وأونتاريو، حيث يُزرع كخضار للحلويات والفطائر.
لكن بين الصين القديمة وأوروبا الحديثة، هناك فصل مهم يستحق الاكتشاف. ففي القرن العاشر الميلادي، كان العلماء المسلمون قد طوروا فهما عميقا للراوند، وثقته مصادرهم بدقة علمية مذهلة.
يقول ابن سينا في "القانون": من يبتغي أقوى تأثير مسكن ومخترق للأنسجة، فليطلب الراوند الصيني، يلخص فوائده في "تسكين الآلام واختراق الأنسجة" و"تقوية الطحال والمعدة" و"مقاومة الربو والنفث الدموي".
ولم يقف الأمر عند الوصف الطبي، فقد قدم ياقوت الحموي في "معجم البلدان" دراسة مقارنة بين أنواع الراوند المختلفة، مميزا النوع الصيني بجودته الفائقة.
أما ابن سعيد فقد ربط في كتاباته بين خصائص الراوند الطبية وطبيعة مناطق إنتاجه، مؤسساً بذلك أسس علم الجغرافيا الطبية.
هذه الوثائق التاريخية تكشف حقيقة مدهشة: قبل أن تعرف أوروبا الراوند كمحصول زراعي بقرون طويلة، كان العلماء المسلمون قد وثقوا خصائصه، وصنفوا أنواعه، وطوروا استخداماته الطبية.
وهكذا، فإن قصة الراوند ليست مجرد رحلة من الشرق إلى الغرب، بل هي شهادة حية على دور الحضارة الإسلامية في حفظ وتطوير المعرفة الطبية القديمة.
فبين حكمة الصين وحداثة أوروبا، كان هناك عصر ذهبي إسلامي أضاف فصلا مهما في تاريخ هذا النبات العجيب، ليبقى شاهدا على عمق التواصل الحضاري بين الشرق والغرب.