سوريا..دعو الترقب لايستمر طويلا
د. لو ينغ بوه
بروفسور اللغة العربية بجامعة اللغات والثقافة ببكين
لقد شهدت الأوضاع في الشرق الأوسط تطوراً مستمراً في الأشهر الأخيرة، مما جذب انتباه العالم، ومن بين هذه التطورات أن تمت الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا خلال أسبوعين فقط وفرّ هارباً إلى روسيا، وهو الأمر غير المتوقع بشكل كبير. وأسباب ذلك بالطبع تشمل جوانب مختلفة، وهي نتيجة للتأثير المشترك لعوامل مختلفة، مثل الفساد السياسي، وفشل السياسات، والتنمية الراكدة، وحياة الشعب التي يرثى لها، والانشقاقات العسكرية، والتنافس بين القوى العظمى إلى غير ذلك. لكن ما نريد أن نتحدث عنه اليوم هو جانب آخر، وهو الطريقة التي ينظر بها عامة الناس في الصين إلى الفتن الداخلية في سوريا والتي تقع على بعد آلاف الأميال.
وبالنسبة لمعظم الأحداث السياسية المهمة، عادة ما يكون هناك تضارب في الآراء في الرأي العام، ولا تتجه الآراء بشكل صحيح في اتجاه واحد. لكن فيما يتعلق بسقوط حكومة بشار الأسد، ومقارنة بمعنويات النصر المتحمس للغاية الذي يسود المجتمع العربي، فإن ما يظهره المجتمع الصيني والفضاء الافتراضي على الإنترنت هو نوع من القلق الغامض والحزن البسيط. والسبب في ذلك ليس لأن الصينيين لديهم توقعات كبيرة وارتباط قوي لعائلة الأسد، بل ينبع من كون الشعب الصيني ينفر من الحروب الأهلية والأوضاع المضطربة، ويؤثر هذا الشعور على النغمة العامة لآراء عامة الشعب الصيني بشأن هذا الحادث.
اقرأ أيضاً
- الأمم المتحدة ترحب بالتزام الحكومة السورية بحماية المدنيين
- تفاصيل العثور على مقبرة جماعية في سوريا تحوي 100 ألف جثة
- رويترز: 26 طنا احتياطي سوريا من الذهب
- ياسر البخشوان: الأزمة السورية تُشكل خطرًا كبيرًا على الأمن الإقليمي والدولي
- دبلوماسي سابق يكشف آخر التطورات في سوريا
- محلل سياسي: الفصيل الحاكم في سوريا ينتمي للقاعدة والإخوان
- أردوغان يتعهد بتنظيف سوريا من الإرهابيين
- قوات إسرائيلية تتقدم إلى موقع تل الشحم بين ريف دمشق والقنيطرة
- الاتحاد الأوروبي يفتح جسرا جويا لإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى سوريا
- الخارجية الفلسطينية: سفارتنا في سوريا تتابع أوضاع الجالية وملف المفقودين
- بالصور.. أول صلاة جمعة في الجامع الأموي بعد رحيل الأسد
- الاتحاد الأوروبي يرسل مساعدات صحية وإغاثية إلى سوريا عبر تركيا
تنظر أي أمة من الأمم إلى الأحداث في العالم الموضوعي من خلال مرشحات تاريخها وثقافتها، وبالتالي فإن الأحداث المماثلة غالبًا ما تجلب لنا مشاعر مختلفة. إن الصين كانت دولة تتأثر بشدة من تدخلات القوى الأجنبية وتعاني من تنافس المصالح بين القوى العظمى خارجيا، فهل ندرك جيداً ماذا تعني الفوضى التي يشهدها "عصر ما بعد بشار" بالنسبة لأبناء الشعب السوري العاديين؟ إن من المؤكد أنه ليس من السهل الإطاحة بنظام ما، ولكن من المرجح أن تكون إعادة بناء نظام فعال قادر على تحقيق المنافع لعامة الناس من الشعب أكثر صعوبة.
إن تاريخ الصين الحديث منذ عام 1840م مليء بالأحداث التي تنبئ عن الذل الوطني والمرارة التي ذاقها الشعب. ونظرا لقوتها الوطنية الضعيفة، كان الصين - باعتبارها الدولة المنتصرة – لم تجد بد أن تتحمل إهانة "نقل شبه جزيرة شاندونغ التي احتلها الجيش الألماني إلى اليابان" في مؤتمر باريس للسلام الذي عقد بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. وفي ذلك الوقت، كانت الصين مضمارا تتنافس فيه القوى العظمى وتتقاسم مصالحها من خلال اندلاع حرب الوكلاء، وكان الأمر مشابهاً إلى حد معين للوضع الحالي الذي تتقاسم فيه الولايات المتحدة وروسيا وإيران وغيرها من الدول ذات الطمع نفوذها في الشرق الأوسط. هناك من تساءل من قبل مَن سيملأ "فراغ السلطة" الذي خلفه تراجع روسيا في سوريا؟ إن حقيقة إمكانية طرح هذا السؤال بلا خجل هي أمر مهين للغاية، فهل "فراغ" السلطة في الشرق الأوسط له شرعية الوجود؟ هناك فراغ في الشرق الأوسط تحتاج قوى خارجية ملأه، بدلا من أن يسده أهل تلك البلاد ذاتهم، وهذا يكون أعظم قسوة وأشد ظلما لشعوب الشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد، لدى الشعب الصيني دروس تاريخية عميقة، فإذا نظرنا إلى تاريخ الصين الحديث، فإن أهلها لم يتخل أبدا عن المقاومة والصحوة وسط الإذلال والقمع. من التخلف عن الركب والهزيمة والتحكم من قبل الآخرين والمعاناة من الهزائم المتكررة وضياع الكرامة، إلى ثورة 1911، والحملة الشمالية، وحرب مقاومة اليابان، وحرب التحرير، فقد خاض الشعب الصيني نضالًا طويلًا لا يُقهر للتخلص من اضطهاد الرأسمالية الاستعمارية الأجنبية والإقطاع المحلي، وإذا أردنا إضافة تنسيق زمني لهذه العملية، فكان مائة عام كاملة.
وبالنسبة للصين، فقد استمرت هذه الفوضى لمدة قرن كامل، والتي تساوي أيضًا عمر الإنسان بأكمله أو أكثر. وبالنسبة إلى العالم العربي عموما وسوريا خصوصا، إلى متى ستستمر هذه الفوضى؟ ومنذ بداية الربيع العربي، عبّرت الشعوب في المنطقة العربية عن عدم رضاها عن الوضع الراهن بأشكال مختلفة، ويبدو أن الجميع ينتظر قدوم لحظة جديدة، ولكن يبدو أن الناس غير قادرين على وصف ماذا يترقبونه بوضوح ودقة؟ هل ينتظرون نظام الانتخابات العامة أو ما يسمى ب"النظام الديمقراطي" بالمعايير الغربية؟ أم مساحة حرة للرأي العام؟ أم تحقيق ما يسمى بـ "العدالة الاجتماعية"؟ أم الوصول إلى بيئة دولية ودية وأكثر انسجاما؟ أم الحصول على مزيد من الإمكانية للاستفادة من فرصة التطوير؟ أم الإمكانية لمزيد من المواطنين العاديين أن يعيشوا في مجتمع يتحلى بالحياة الكريمة؟ ربما سيقول الناس، نريد ذلك كله! ولكن في مواجهة الواقع – نحن كأبناء من البلدان النامية - ربما يتعين علينا أن نواجه عيوبها وقسوتها، وإذا كان بوسعنا أن نختار فقط هذه التوقعات بدلا من تحقيقها كلها، فكيف ينبغي لنا أن نختار ونخصص الأولوية؟
إن نظام القيم والأسلوب السردي الغربي يتكيف مع مرحلة تطور الإنتاجية الغربية على أساس إنجاز التراكم الأولي للثروة خلال الحربين العالميتين وما قبلهما من خلال السلب والنهب والاستعمار وتجارة الرقيق وغيرها من السبل اللا شرعية واللا أخلاقية، وإذا تم اعتبار هذا النظام وهذه السردية "قانونا أصيلا" يجب أن يتم وضعها في البلدان النامية، فإنه سيواجه بالتأكيد عقبات في كل مكان يُطبَّق فيه، وفي النهاية سوف تفوق مكاسبَه خسائرُه. فمثلما يصر المزارعون الذين عاشوا على تراب الصين لأجيال على تناول ثلاث وجبات يوميا على النمط الفرنسي ويتخذون ذلك كمعيار للسعادة والنجاح، فهل يستطيعون الحصول على السعادة التي يتوخّونها؟
إن الشباب في العالم العربي عموما والشباب في سوريا خصوصا والذين يهتفون فرحًا في هذه اللحظة هم دائمًا في حالة ترقب، حيث يترقبون تحقق أمنياتهم واحدة تلو الأخرى، وباعتبارنا أصدقاء صينيين للعرب على بعد آلاف الأميال وسبق لنا أن نتشارك في السراء والضراء خلال حقبة حروب التحرير الوطنية والتخلص من الاستعمار، نأمل مخلصين أن يتمكن أصدقاؤنا العرب الوصول إلى مبتغاهم وما يحتاجون إليه حقًا في أسرع وقت ممكن، وهذا ربما سيأتي بعد معرفتهم المهمة ذات الأولوية في الوقت الحالي وصواب حكمهم في ظل تعقيد الوضع في داخل البلاد وخارجها. ولنجعل سويا هذا الترقب لا يستمرِ طويلًا!