سقوط إمبراطورية المال السياسي تحت فرمان الرئيس السيسي
بقلم : د .حماد الرمحى
لم يكن البيان الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي تعليقًا على ما جرى من انتهاكات في بعض الدوائر الانتخابية مجرد «تدوينة» على مواقع التواصل الاجتماعي، بل كان في مضمونه وتوقيته ونبرته، أشبه بـ«فرمان رئاسي» حاسم، أعلن فيه بداية نهاية إمبراطورية المال السياسي، وأرسى قواعد المرحلة الجديدة، بأن سيادة الصندوق فوق كل حساب، وإرادة الناخب هي السقف الذي لا يعلو فوقه أحد، مهما تضخّمت ثروته أو اشتدّ نفوذه!!.
المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب ٢٠٢٥، التي دارت رحاها في ١٤ محافظة على امتداد ٧٠ دائرة فردية، واحتشد فيها ١٢٨١ مرشحًا أمام ٥٦٠٦ لجنة فرعية، وُضعت نظريًّا لخدمة ما يقرب من ٣٥ مليون ناخب، لكنها على أرض الواقع أفرزت مشاركة هزيلة لم تتجاوز – بحسب التقديرات الرسمية – عتبة «ربع» الكتلة التصويتية.
نسبة حضور باهتة لا تُخطئها العين، عكست حالة مركّبة من الإرهاق الشعبي، واللا مبالاة السياسية، والشكوك في جدوى المنافسة داخل بعض الدوائر، في مناخٍ لم تهدأ فيه الهمسات – ولا التصريحات، عن تغوّل المال السياسي، وتحالفات النفوذ، وصعود أسماء لا يعرفها الناس إلا مطبوعة على اللافتات والبوسترات، لا منقوشة في وجدان الشارع أو سجلات خدمته العامة.
في مثل هذه الأجواء، يسهل على أي نظام أن يختبئ وراء الصمت أو التبرير، لكن الرئيس اختار طريقًا معاكسًا، خرج ليقول إنه اطّلع بنفسه على ما جرى في عدد من الدوائر الفردية، وذكَّر بأن الهيئة الوطنية للانتخابات هي صاحبة الاختصاص الأصيل في الفحص والفصل، ثم حمل البيان نبرة مختلفة حين وجّهها صراحة إلى أن تتخذ القرارات التي «تُرضي الله سبحانه وتعالى وتكشف بكل أمانة عن إرادة الناخبين الحقيقية».
هنا تحوّل النص من مجرد توجيه إداري إلى إعلان موقف أخلاقي وسياسي: «لا انتخابات بلا ضمير، ولا نتيجة تعلو على الحقيقة».
بهذه الكلمات نُقِل النقاش من خانة «سلامة الإجراءات» إلى خانة «طهارة الطريق» لم يعد المهم فقط أن تُعلَن النتائج في موعدها، بل أن تكون الطريق إليها نظيفة، وأن يشعر الناخب بأن صوته لا يُشترى ولا يُزوَّر ولا يُختطف بالمال أو الضغط أو التلاعب بمحاضر الفرز، ثم جاء الجزء الأكثر حسْمًا في البيان حيث قال الرئيس: «إذا اقتضى الأمر الإلغاء الجزئي أو الكلي وإعادة الانتخابات في بعض الدوائر، فليفعلوا ذلك «دون تردّد».
هنا صدرت الإشارة الواضحة إلى أن الدولة مستعدة – من أعلى مستوى – لأن تهدم ما بُني على باطل، ولو كلّفها ذلك إعادة المشهد من جديد.
اقرأ أيضاً
الرئيس السيسي يوجّه بزيادة المدارس اليابانية لـ 500 خلال 5 سنوات
السيسي يجتمع برئيس الحكومة ووزير التعليم والخبراء اليابانيين المتواجدين في مصر (فيديو وصور)
غلق صناديق الإقتراع في اليوم الثاني والأخير لإنتخابات مجلس النواب بالبحيرة
متابعة سير العملية الانتخابية لليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب بشبراخيت
رئيس دمنهور يتفقد لجان انتخابات مجلس النواب بقرية دنشال
أزمات تتلاحق: فصل جماعي للموظفين و تدمير لملاعب نادي الشيخ زايد بسبب مؤتمرات مرشحى مجلس النواب
سامي نصر الله: مجلس النواب المقبل يستهدف تحقيق رؤية التنمية المستدامة للدولة في ضوء الجمهورية الجديدة
محافظ البحيرة تتفقد لجان الدائرة الأولى بدمنهور لمتابعة سير انتخابات مجلس النواب
قيادي بـ «مستقبل وطن»: الدولة أثبتت التزامًا حقيقيًا بالإنصاف الإنساني وتمكين أصحاب القدرات تحت قيادة الرئيس السيسي
رئيس مياه البحيرة يترأس غرفة الطوارئ لمتابعة استعدادات انتخابات مجلس النواب 2025
رئيس شبراخيت يتفقد مقار اللجان الانتخابية في اليوم الأول لانتخابات مجلس النواب 2025
طوابير الناخبين أمام لجان دائرة دمنهور بالبحيرة للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس النواب
لم تمر أيام قليلة حتى تحوّل هذا الكلام إلى أرقام وقرارات، ففي ١٨ نوفمبر ٢٠٢٥ خرجت الهيئة الوطنية للانتخابات في مؤتمر صحفي لتعلن، بعد فحص الشكاوى ومحاضر اللجان وتقارير غرفة العمليات، إبطال وإلغاء النتائج في ١٩ دائرة انتخابية على المقاعد الفردية، موزعة على ٧ محافظات من محافظات المرحلة الأولى، من أصل ٧٠ دائرة فردية أُجريت فيها الانتخابات، وبذلك أُعيد رسم خريطة المرحلة الأولى على النحو الآتي:
٢٠ دائرة حُسمت نتائجها من الجولة الأولى.
٣١ دائرة انتقلت إلى جولة الإعادة.
١٩ دائرة أُلغيت نتائجها بالكامل، وتقرّر إعادة الانتخابات فيها من جديد في موعد لاحق.
هذه الـ ١٩ دائرة ليست «تفصيلًا فنيًّا» في هوامش العملية الانتخابية، بل هي ضربة مباشرة في قلب إمبراطورية المال السياسي، ربع الدوائر الفردية تقريبًا رأت الجهة المنظمة للانتخابات أن ما وقع فيها من عيوب أو تجاوزات يكفي لإعدام النتيجة وإعادة المشهد من جديد، وهذا وحده كافٍ ليقول إن ما حدث لم يكن مجرد تصحيح صغير في الهامش، بل انقلاب صريح على منطق: «ادفع عشان تعدي» الذي حاول بعض الفاسدين تكريسه في السياسة المصرية.
ومع أن المشهد القانوني استحوذ على عناوين الأخبار، إلا أن المعركة الأعمق كانت تدور في مكان آخر... في المسافة بين المال السياسي والظهير الشعبي للدولة، فبعض ما جرى لم يكن فقط صراعًا بين مرشحين، بل محاولة لاقتلاع عائلات وبيوت سياسية عريقة لصالح وجوه طارئة، مدعومة ببحار من الأموال مجهولة الهوية، وأختام أحزاب وتنظيمات، أكثر مما هي مدعومة بتاريخ أو خدمات أو رصيد إنساني وسط الناس.
أما الحقيقة الراسخة في وجدان الدولة المصرية حكومة وشعباً، فهي أن العائلات والقبائل المصرية الكبرى كانت السند الوحيد الذي استندت عليه الدولة في أحلك اللحظات التاريخية، وهي من ملأت الميادين في الثلاثين من يونيو، وهي من وقفت تحرس الأقسام والكنائس والدواووين الحكومية، حين كان سماسرة المال السياسي يعبثون في ميدان التحرير، ونيران الفتنة تنهش في عرض مصر!.
إن إقصاء هذا الظهر الشعبي لصالح «سماسرة السياسة» يعني ببساطة، إضعافًا متعمدًا لجذع الدولة الاجتماعي، واستبدال عمق حقيقي بصورة ورقية تصنعها اللافتات والإعلانات، وهنا جاء فرمان الرئيس ليقول: لن يُختطف البرلمان من فوق رأس الناس، ولن يُختزل الوطن في غرفة أموال مغلقة.
وسط موجة البطلان الإداري في ١٩ دائرة، ودوامة الطعون القضائية في دوائر أخرى، برزت دائرة إطسا بمحافظة الفيوم كأنها «المختبر الحي» لهذا التحوّل الديمقراطي.
لم تكن دائرة إطسا ضمن الدوائر التي أبطلت الهيئة نتائجها، بل وصلت – وفق مسارها الطبيعي – إلى جولة الإعادة، محاطة بضجيج إعلامي وطعون حاولت أن تلحق بها إلى قطار البطلان، قبل أن تُستكمِل إجراءاتها وتصل إلى الصندوق من جديد، وعندما جرت الإعادة في إطسا بالتزامن مع إعادة الانتخابات في الدوائر الـ١٩ المنقوضة على مستوى الجمهورية، بدا وكأن القدر يهيئ هذه الدائرة لتكون امتحانًا عمليًّا لتوجيهات الرئيس: هل سيبقى المال سيد الموقف، أم تخرج من الصندوق مفاجأة أخرى؟!
وجاءت الإجابة من قلب الصناديق: سقط مرشحو الحزبين الأقرب إلى الحكومة في هذه الدائرة، مرشح حزب «حماة وطن» ومرشح حزب «مستقبل وطن» وذهبت المقاعد إلى مرشحين مستقلين، مدعومين بثقة الناس، لا بثقل الخزائن، وهما النائب مصطفى البنا، والدكتور مصطفى خليل.
في تلك اللحظة لم تسقط «قائمة» أو «اسم» فحسب، بل سقطت أمام أعين الجميع نظرية أن المال السياسي قدرٌ لا يُهزم، وانكشفت هشاشة إمبراطورية بناها البعض على الظن بأن الناخب يمكن أن يُشترى دائمًا، وأن الصندوق لن يجرؤ على الخروج عن السيناريو المرسوم.
وتبقى للتاريخ كلمةٌ واجبة: لولا أن في هذا الوطن رجالًا شرفاء في وزارة الداخلية التقطوا رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي، واستوعبوا معناها العميق، واعتبروا أنفسهم خط الدفاع الأول عن القانون وصندوق الانتخابات، لما انكسرت شوكة تجّار وسماسرة المال السياسي، ولما أمكن حماية العملية الانتخابية وصون إرادة الناخبين بهذا القدر من الحسم والوضوح.
ومن باب الإنصاف قبل التاريخ، لا بد من توجيه تحيّة تقدير وإجلال إلى
السيد اللواء محمود توفيق وزير الداخلية.
والسيد اللواء أحمد عزت مساعد وزير الداخلية مدير أمن الفيوم.
والسيد اللواء محمد العربي مدير البحث الجنائي بالفيوم.
والسيد العميد محمد ثابت مأمور مركز شرطة إطسا.
والسيد المقدم محمد بكري مفتش مباحث اطسا
والسيد المقدم هيثم طلبه رئيس مباحث مركز إطسا.
إنهم رجالٌ أدّوا الأمانة كما يجب، فلاحقوا تجّار وسماسرة المال السياسي، وفرضوا هيبة القانون في اللجان والطرقات، وحمَوا سير العملية الانتخابية، وأمَّنوا للصندوق أن ينطق بضمير الناخب لا بسطوة المال، لتبقى إرادة الناس هي الحكم الفصل، لا «رزم العملات» ولا صفقات الظل الحرام.




















العدد الجديد من جريدة الميدان «1027»
العدد الجديد من جريدة الميدان «1022»
غدًا العدد الجديد من «جريدة الميدان» في الأسواق
العدد الجديد من جريدة الميدان «983»
الميدان ينعي ببالغ الحزن عائلتي مرجان وأبو غانم في وفاة والده الأستاذ...
بالتفاصيل...طعن على الانتخابات البرلمانيه ٢٠٢٥ امام المحكمه الادارية العليا
الميدان تهنئ أفراح عائلات المعداوى والسماديسى بحفل خطوبة الدكتور حسن والأستاذة أريج
الميدان تهنئ عائلات أبو طلحة بقرية الشريف بالبحيرة بمناسبة حفل زفاف كريمتهـم