خالد مصطفى يكتب: المتحف المصرى الكبير.. قصة حضارة امتدت آلاف السنين
عندما نتحدث عن التكنولوجيا نظن أن القرن الواحد والعشرين والذكاء الاصطناعي هو ذروة وقمة التقدم لكن حين تتواجد في المتحف المصري الكبير وتنظر إلى ابتكارات الفراعنة تدرك أن التكنولوجيا ليست وليدة اليوم بل امتداد لعبقرية إنسانية بدأت على ضفاف النيل قبل آلاف السنين حيث شيد المصري القديم الأهرامات بزاوية ميل دقيقة تتحدى أعقد الحسابات الهندسية الحديثة ورفع أحجاراً تزن أطناناً دون رافعات وحنط الأجساد بطريقة لم يستطع العلم تفسيرها حتى اليوم وجمع الثروة والذهب في مخازن مفاتيحها يتعب من حملها من الرجال ذوو القوة تلك كانت تكنولوجيا الروح والعقل قبل أن تكون لدينا تكنولوجيا الآلة والبرمجة وثروة البيتكوين لو قمت بزيارة سريعة لام الدنيا لتسجيل نفسك ضمن أوائل زوار المتحف الجديد تكون دخلت التاريخ فعلا فهو ليس مجرد متحف بل مدينة ثقافية متكاملة تحكي قصة حضارة امتدت آلاف السنين وتعرض اليوم بأحدث أساليب العرض الذكي والإبهار التقني منذ لحظة دخولك للمتحف تشعر أن الزمن قد انصهر في تجربة واحدة التماثيل الضخمة تقابلك بإضاءة تكنولوجية مدروسة والتقنيات التفاعلية على الشاشات تسمح لك باستكشاف الأسرار الفرعونية بلمسة إصبع والذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل المشاهد التاريخية كما لو كنت تعيشها فعلاً حتى درجة الحرارة والإضاءة والرطوبة تدار بأنظمة رقمية دقيقة لحماية الكنوز من أي تلف وانصحك أن لا تنسى قسم السفن الكبيرة في المتحف والتي بنيت منذ الاف السنين بدون مسمار واحد فهذا من أعاجيب التكنولوجيا الفرعونية إن العقل البشري اليوم يصنع معجزاته عبر الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد ويستطيع أن يرسل مركبة إلى المريخ لكنه مايزال عاجز عن فك لغز كيف بنى الفراعنة صرحاً كالأهرامات بهذه الدقة المتناهية إنها ليست مقارنة بين الماضي والحاضر بل تحدى حضاري يذكرنا أن الإبداع لا يقاس بالأدوات بل بقوة الخيال البشري وأن الإنسان هو المحرك الأول لكل حضارة الفراعنة استخدموا ما توفر لهم من أمور بدائية ليصنعوا التاريخ والخلود ونحن اليوم نمتلك كل شيء فهل نصنع ما يوازيه في المتحف المصري الكبير ستقف وتراقب مشهداً أغرب من الخيال ملوك ورؤساء ومشاهير من كل القارات جميعهم وقفوا مدهوشين أمام عظمة ملك من ملوك ذلك الزمان الجميع رفعوا رؤوسهم إلى الأعلى مأخوذين بهيبة تمثال رمسيس الثاني لحظة صمت عالمية أمام ذلك الملك كأنهم فجأة تذكروا أن المجد لا يقاس بعدد المصفقين
أو المتابعين أو بثروة الملايين هناك أمام تمثال رمسيس تكسرت شهرة المعروفين وتبخرت نرجسية المؤثرين وتقزم المشهورين وما زالوا لم يدخلوا بعد قاعة الملوك حيث يرقد توت عنخ آمون وسط أطنان الذهب كأنما الزمن نفسه يحرس مجده الأبدي وتعلّم الجميع درساً مجانياً في معنى العظمة الحقيقية وليس البهرجة الكذابة والمفارقة الغريبة أن الزوار أنفسهم فتيات وشباب جيل التكنولوجيا تركوا البراندات والموضة والتقليعات والترندات ولبسوا الزي الفرعوني والجلابية ليتصوروا بين الآثار عادوا إلى الجذور بفخر واعجاب أحفاد الفراعنة يعودون إلى ديارهم بعد غياب طويل تلتقي فيهم الحداثة بروح التاريخ أما نحن المصريون على السوشيال ميديا للأسف فتحنا مهرجان النكت مئات التعليقات الساخرة ومقاطع لا تحصى وميمز تكفيك سبعة مواسم كاملة من مسلسلات رمضان من رمسيس الذي رجع ترند بعد 3000 سنة إلى تعليقات تقول إن توت عنخ آمون لو صحى من مرقده وشاف الأسعار هذه الايام كان قفل التابوت من جديد فالمصري قد حول اهم حدث عالمى إلى مهرجان من النكت هكذا هو المصري دائماً أمام كل حدث يجمع بين خفة الدم وجلال الموقف في مزيج لا تصنعه إلا مصر ولا يفهمه إلا من مرّ يوماً بين اهلها وناسها للأسف حتى الآن مما شاهدت وقرأت لم أجد ما يصف روعة وجمال المشهد في المتحف المصري الكبير كأن اللغة نفسها وقفت منبهرة أمامه عاجزة عن العثور على كلمات تليق به وكأن الألفاظ الفخمة والمفردات الرفيعة كانت في غياب طويل عن مصر ثم قررت أن تعود متأبطة ذراع الجمال والإبهار بعد سنوات طويلة من الغياب الإجباري في منفى الاعتياد و خلف كل هذا الضجيج ليبقى المشهد أعمق من صخب الصور والمقاطع ففي تلك اللحظة التي ترفع فيها رأسك وتنظر إلى واجهة المتحف الزجاجية الشاهقة تشعر أن مصر لا تعرض تاريخها بل تستعيد روحها ومجدها ورونقها أمام العالم فالمتحف المصري الكبير يمنحك تجربة تتجاوز حدود المشاهدة فهي رحلة فكرية وروحية في تاريخ الإنسان تضعك أمام سؤال جوهري هل كانت الحضارات القديمة تعرف ما فقدناه نحن اليوم فالعبقرية الإنسانية ليست ملكاً لعصر دون آخر
و التكنولوجيا مهما بلغت تبقى أداة في يد الإنسان بينما الإبداع الحقيقي يكمن في العقل الذي وُجد قبلها بآلاف السنين فالتكنولوجيا هنا ليست خصماً للتراث بل جسراً يصل الزائر بالعظمة الإنسانية التي شيدت الأهرامات ونقشت الحروف الأولى في تاريخ البشرية إنه لقاء الأبدية بالحداثة من أجل صناعة الدهشة





















العدد الجديد من جريدة الميدان «1027»
العدد الجديد من جريدة الميدان «1022»
غدًا العدد الجديد من «جريدة الميدان» في الأسواق
العدد الجديد من جريدة الميدان «983»
في حفل راقٍ جمع نخبة من رموز الصحافة والسياحة.. زفاف الكاتبة الصحفية...
.بقرار المحافظ.. إسلام عميرة سكرتيرًا لحى الأربعين بالسويس
أسرة تحرير جريدة الميدان تهنئ الكاتب الصحفي وجدي صابر بزفاف نجله أدهم
الميدان تهنئ الحاج سعيد غانم وعائلته بمناسبة حفل زفاف نجله الأستاذ سعد...