د. شريف محمدي في مواجهة الحقيقة: هل يخسر الأمن المائي المصري؟


-
ثلاثة مراكز.. ثلاث قيادات: من يحرس مستقبل البحث العلمي في مصر؟
-
صراع العلم والإدارة: كشف أسرار المراكز البحثية الكبرى في مصر
-
بين النجاح والإخفاق.. من يقود مصر إلى قمة البحث العلمي؟
-
مراكز بحثية في مواجهة التحديات.. ماذا وراء الكواليس؟
-
بين المعامل والمكاتب المغلقة: من يقود البحث العلمي في مصر؟
-
القيادة التي صنعّت الفرق.. وقصص الفُرص الضائعة في العلم المصري
-
من مركز القومي للبحوث إلى البحوث الزراعية: من يحكم مملكة البحث العلمي؟
-
هل ينجح قادة المراكز البحثية في مواجهة أزمات مصر الكبرى؟
-
بين الإنجاز والضياع: رحلة المراكز البحثية في مصر تحت المجهر
-
إقالة وحصاد.. ماذا تعلمنا من قيادة المركز القومي لبحوث المياه؟
في قلب المؤسسات العلمية الكبرى في مصر، تتصارع ثلاثة مراكز بحثية عملاقة على إدارة ثروات وطنية هائلة من المعرفة والموارد، مرتبطة بأمن مصر الغذائي والمائي ومستقبل البحث العلمي. هذه المراكز يقودها ثلاثة رؤساء اختلفوا في الرؤية والتوجه، لكنهم جميعاً واجهوا تحديات كبيرة في ميدان العلم والإدارة.
في هذا التحقيق نفتح ملفًا ساخنًا عن قيادات ثلاثة مراكز بحثية عملاقة، ثلاثة أدوار بأوزان مختلفة… يبرز منها اسم كرمز للنجاح والتفوق، وآخر يعاني في صمت داخل مركز حيوي يُفترض أن يكون صمام الأمان للمياه في مصر، لكنه بات مثالًا مؤلمًا على ضعف الأداء.
الدكتور شريف محمدي، رئيس المركز القومي لبحوث المياه، الذي تم تعيينه على أمل أن يقود ملفًا لا يحتمل التقاعس، وجد نفسه غارقًا في أزمات لم يستطع مواجهتها، حتى وصل الحديث داخل دوائر القرار كما يشاع إلى طرح فكرة الإقالة كخطوة ضرورية لإعادة ترتيب الأوراق.
رغم الإمكانيات الفنية والعلمية وحجم التحديات المصيرية، بقي أداء المركز تحت قيادته دون المستوى المطلوب، ليصبح نموذجًا لما قد يفعله ضعف الإدارة في ملف قومي حساس.
في المقابل، يقف الدكتور ممدوح معوض على رأس المركز القومي للبحوث كرمز للقيادة العلمية المتوازنة التي جمعت بين الإنجاز والإدارة، بينما يواجه الدكتور عادل عبدالعظيم تحديات ثقيلة في أكبر مركز زراعي، حيث الفائض في الموارد لا يعني بالضرورة التفوق في البحث والابتكار.
هذه القصة ليست فقط عن أرقام ومعامل، بل عن رؤى، قيادة، ومسؤولية وطنية. هل يكون الفشل بابًا للرحيل، أم فرصة لإعادة البناء؟ في هذا التحقيق نجيب عن هذا السؤال ونكشف الحقائق خلف الأبواب المغلقة.
من أين بدأ كل منهم؟
د. ممدوح معوض تولى رئاسة المركز القومي للبحوث (NRC) بقرار من رئيس مجلس الوزراء المصري في عام 2024، بعد مسيرة طويلة داخل المركز نفسه، حيث شغل سابقًا منصب نائب رئيس المركز لشؤون البحث العلمي. هذا التعيين جاء كتتويج لمسيرة أكاديمية وإدارية متكاملة ، حيث أن المركز القومي للبحوث يتبع مجلس الوزراء المصري بشكل مباشر أو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إذ يُعتبر من المؤسسات الوطنية الكبرى للبحث العلمي.
د. شريف محمدي عينه وزير الموارد المائية والري في عام 2023 ليتولى رئاسة المركز القومي لبحوث المياه (NWRC)، خلفًا لمن سبقه في فترة حساسة للغاية على صعيد الأمن المائي المصري، وكانت التوقعات كبيرة تجاهه، لكنها حتى الآن لم تترجم إلى إنجازات واضحة ، حيث أن المركز القومي لبحوث المياه يتبع وزارة الموارد المائية والري، نظراً لدوره المركزي في قضايا المياه والأمن المائي.
د. عادل عبدالعظيم يشغل رئاسة مركز البحوث الزراعية (ARC) منذ عام 2022، بتعيين من وزير الزراعة واستصلاح الأراضي. بالرغم من خلفيته البحثية، تحول منصبه إلى مسؤولية إدارية كبيرة، ويواجه تحديات في توظيف الكفاءات بشكل يوازي حجم المركز ، حيث أن مركز البحوث الزراعية يتبع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، كجهة رئيسية مسؤولة عن البحوث الزراعية في مصر.
قوة البنية… وأين توظّف؟
يمتلك كل مركز من المراكز البحثية الثلاثة بنية تحتية ضخمة من حيث عدد المعاهد والباحثين، لكن يبقى التساؤل الأهم: إلى أي مدى تُستثمر هذه الإمكانيات لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع؟
المركز القومي للبحوث (NRC) يُعد من أكبر المراكز البحثية من حيث التخصصات وعدد الباحثين، إذ يضم 14 معهدًا بحثيًا و109 قسمًا متخصصًا، ويعمل به ما يقرب من 4700 باحث في مجالات متنوعة تشمل الطب، الصناعة، البيئة، والزراعة.
يتميز المركز ببنية تحتية قوية، تشمل معامل مركزية متطورة، ومصنعًا تجريبيًا يُستخدم في تطبيق مخرجات الأبحاث، بالإضافة إلى مكتبة ضخمة وقواعد بيانات علمية متقدمة، ما يجعله بيئة خصبة للإنتاج العلمي والتطبيقي، إذا ما استُغلت بالشكل الأمثل.
المركز القومي لبحوث المياه (NWRC) يتكوّن من 12 معهدًا متخصصًا في شؤون المياه والهيدرولوجيا والسدود والبيئة، ويضم 510 باحثين فقط، ما يجعله الأقل من حيث الكادر البحثي مقارنة بالمراكز الأخرى.
ورغم قلة عدد الباحثين، فإن المركز يمتلك بنية رصد قوية، حيث يدير أكثر من 200 محطة لرصد المياه، و435 نقطة لمراقبة جودة المياه على مستوى الجمهورية، إلى جانب مختبرات معتمدة دوليًا، وهو ما يوفر له قاعدة بيانات دقيقة يمكن أن تُشكل مرجعية علمية في السياسات المائية، لو تم تفعيلها بالشكل الكافي.
مركز البحوث الزراعية (ARC) يُعتبر الأكبر من حيث عدد المعاهد والباحثين، إذ يضم 16 معهدًا، بالإضافة إلى 10 معامل مركزية و23 إدارة إقليمية تنتشر في المحافظات، و19 محطة بحثية حقلية.
ويعمل في المركز أكثر من 10,000 باحث ومهندس وفني، ما يجعله ثروة بشرية كبيرة كان من المفترض أن تُترجم إلى إنتاج علمي وبحثي واسع.
لكن وعلى الرغم من هذا الحجم الضخم، إلا أن المركز لا يُسجل حضورًا مؤثرًا في الإنتاج العلمي المنشور، مما يطرح تساؤلات حول فاعلية توظيف هذه الإمكانات.
الإنتاج العلمي من كتب ومن صمت؟
د. ممدوح معوض
-
نشر أكثر من 175 بحثًا دوليًا محكمًا.
-
أشرف على أكثر من 25 رسالة ماجستير ودكتوراه.
-
ألف 12 كتابًا علميًا.
-
شارك في 23 مشروعًا بحثيًا دوليًا ومحليًا.
-
سجل براءتي اختراع.
د. شريف محمدي
لا توجد سجلات منشورة أو موثقة تشير إلى إنتاج علمي ملموس خلال فترة توليه، سواء من أبحاث أو كتب أو براءات اختراع. هذا رغم أهمية الدور الحيوي الذي يلعبه المركز في الأمن المائي الوطني، ويثير تساؤلات حول مدى شفافية الأداء وفاعليته.
د. عادل عبدالعظيم
تركيزه الأكبر كان على التجارب التطبيقية الحقلية والإرشاد الزراعي، لكنه يفتقر إلى سجل بحثي دولي أو محلي واضح يتناسب مع حجم المركز والموارد البشرية.
التحديات… أم الإخفاقات؟
د. ممدوح معوض رغم إنجازاته، يواجه تحديات تمويل المشاريع البحثية، وصعوبات في جذب الباحثين الشباب بسبب البيروقراطية، بالإضافة إلى الظروف العامة التي تواجه البحث العلمي في مصر.
د. شريف محمدي يعتبر النموذج الأوضح للفرص الضائعة:
-
عدد الباحثين محدود،
-
الموارد التقنية متاحة،
-
المركز يتعامل مع قضايا وطنية حساسة كالسد الإثيوبي والتغير المناخي.
لكن الأداء الميداني يفتقر إلى التأثير الواضح في القرار السياسي والوعي العلمي، ما يطرح تساؤلات جدية عن قدرة القيادة على إدارة مركز حيوي بهذا الحجم.
د. عادل عبدالعظيم يدير مركزًا ضخمًا لكنه يعاني من ضعف في النشر العلمي وغياب الابتكار الموثق، مما يحول المركز إلى هيئة إرشاد تقليدية أكثر منه مركز بحثي عصري.
بين قادة العلم: من يتفوّق؟
رغم أن المراكز الثلاثة تخدم ملفات قومية شديدة الأهمية، إلا أن تقييم الأداء لا يتوقف عند حجم الهيكل أو عدد الباحثين، بل يعتمد على ما يُنجز فعليًا من إنتاج علمي، وتأثير ملموس في السياسات العامة أو احتياجات المجتمع.
الدكتور ممدوح معوض – رئيس المركز القومي للبحوث (NRC) يقود المركز القومي للبحوث، الذي يعمل به قرابة 4700 باحث، ويُعدّ من أكثر المراكز تنوعًا من حيث التخصصات ، يتميز د. معوض بتوازن واضح بين الدور الإداري والعلمي، حيث نشر أكثر من 175 بحثًا دوليًا محكمًا، وأشرف على عدد كبير من الرسائل العلمية، إلى جانب تأليف كتب علمية ومشاركته في مشروعات بحثية كبرى ، هذا التوازن بين الإنتاج العلمي والإدارة الفعالة، يعكس نموذجًا نادرًا في المشهد البحثي المصري.
الدكتور شريف محمدي – رئيس المركز القومي لبحوث المياه (NWRC) يشرف على مركز يضم نحو 510 باحثين فقط، ورغم صغر العدد مقارنة ببقية المراكز، فإن أهمية المركز لا تقل، إذ يتعامل مباشرة مع ملف الأمن المائي القومي.
لكن المثير للقلق هو غياب أي سجل منشور أو موثق للإنتاج العلمي خلال فترة رئاسته، سواء من أبحاث، براءات اختراع، أو حتى مشاركة فعلية في مشروعات علمية ذات تأثير.
هذا الأداء الباهت يُعد إشكاليًا، خاصة في ظل حساسية الملفات التي يتعامل معها المركز، مثل السدود، والتغير المناخي، وإدارة الموارد المائية.
الدكتور عادل عبدالعظيم – رئيس مركز البحوث الزراعية (ARC) يدير المركز الأكبر من حيث عدد الباحثين والفنيين، الذين يتجاوز عددهم 10,000 فرد ، ورغم هذه الكثافة البشرية الكبيرة، إلا أن سجل المركز في النشر العلمي ضعيف وغير موثق، ولا يوازي حجم الكوادر والإمكانات المتوفرة.
الأداء العام يشير إلى ضعف في تحويل الطاقة البشرية الضخمة إلى إنجازات بحثية قابلة للقياس أو التطبيق، ما يعكس أزمة في إدارة الموارد العلمية أكثر من أزمة في توفرها.
الحقيقة الغائبة
القيادة الحقيقية لا تُقاس بعدد المعاهد أو الباحثين، بل بكفاءة إدارة العقول نحو الابتكار وخدمة الوطن.
-
د. ممدوح معوض هو المثال الأبرز للقيادة المتوازنة التي جمعت بين الإنجاز والالتزام.
-
د. عادل عبدالعظيم يواجه تحديات تحويل الحجم الكبير إلى إنتاج علمي ملموس.
-
أما د. شريف محمدي، فتمثل حالة الفُرص الضائعة، حيث ظل مركزه هامشيًا في ملف حيوي يشكل العمود الفقري للأمن القومي.
من يملك مفتاح النهوض؟
في زمن تتسارع فيه التحديات، لا يمكن لمصر أن تسمح بأي تقصير في ملف البحث العلمي أو الأمن المائي. إقالة الدكتور شريف محمدي من رئاسة المركز القومي لبحوث المياه ليست مجرد تغيير إداري، بل رسالة واضحة بأن الدولة المصرية جادة في محاسبة أي تقصير يضر بمصالح الوطن.
هذا القرار يعكس ضرورة أن تتولى قيادات لديها الرؤية والقدرة على ترجمة التحديات إلى إنجازات، ويؤكد على أن الفشل في الملفات الحيوية يتطلب إجراءات حاسمة.
الأمل ما زال قائماً في العقول والكفاءات الوطنية التي تؤمن أن القيادة الفاعلة والإنتاج العلمي الموثق هما طريق مصر نحو التنمية المستدامة.
المسيرة مستمرة، والتحدي كبير، لكن مصر لن تقبل بأقل من التميز والالتزام، وستظل دوماً تحتاج إلى قادة يعكسون حجم وطموحات وطنها.
في انتظار ما يُثبت النجاح… فنجاحهم من نجاح الوطن
لسنا في موقع خصومة مع أي مسؤول أو قيادة علمية، بل نفتح هذا الملف من منطلق وطني بحت. فكل من يتولى قيادة مركز بحثي، خاصة بحجم وتأثير تلك المؤسسات، يحمل على عاتقه مسؤولية عظيمة أمام الدولة والمجتمع.
وحتى نُقر بنجاح أيٍ من القيادات الحالية، فنحن في انتظار أي بيانات أو وثائق أو نتائج علمية أو اقتصادية تؤكد هذا النجاح إن وُجد. لأن النجاح في هذه المواقع لا يُحسب لصاحبه فقط، بل هو نجاح لكل المصريين، إذ يُفترض أن تُسهم هذه المراكز في دعم الاقتصاد الوطني، وتوليد المعرفة التي تعزز الإنتاج المحلي، وتقلل الاستيراد، وتخدم المواطن البسيط في حياته اليومية.
هذا ما نؤمن به، وهذا ما يجب أن يسعى إليه كل مسؤول، فـ"جميعنا نعمل من أجل رفعة هذا الوطن وخدمة المواطن"، كما أكّد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة، حين قالها واضحة:"لازم نخاف على بلدنا ونحميها."
نقولها بصدق: نحن لا نغلق هذا الملف، لأننا ببساطة لا نغلق ملفات الوطن. ما زلنا ننتظر أداءً يُقنعنا، ونتائج تُلزمنا بالاعتراف، ونماذج تُمثل مصر في الداخل والخارج بما يليق بتاريخها وقدراتها.
لا نقول في الختام… لأن البناء لا ينتهي
نُكرّر: لسنا في نهاية المطاف، بل في قلب معركة البناء والتقدم. فلا مكان للفشل أو التهاون.
إن إقالة الدكتور شريف محمدي ليست استهدافًا لشخص، بل ترجمة واضحة لمبدأ المحاسبة والشفافية، وتأكيد على أن ثروات مصر العلمية والبشرية ليست متاحة لمن لا يحسن إدارتها.
كما قال طه حسين:"العلم هو الشمس التي لا تغيب، ومفتاح النهضة والتقدم."
فلنُبقي هذه الشمس مشتعلة، ولنواصل العمل على بناء مصر التي تستحقها الأجيال القادمة، بقيادات تُؤمن بالعلم، وتحترم ثقة الوطن فيها، وتُدرك أن مستقبل هذا البلد لا يُعطى، بل يُنتزع بالجهد والالتزام والإنجاز.
تحيا مصر دائمًا… بالأمانة، والكفاءة، والانتماء الحقيقي.