تطور الحضارة من خلال التعلم المتبادل
د دنغ ون تشيان
في ظل ومسار التحديث العالمي، أصبح تعزيز التبادل والتعاون الثقافي والعلمي من أهم الوسائل الفعّالة للدول العالم كافة لمواجهة التحديات المشتركة وحلّ التناقضات والصراعات، كما أنها السبيل الحتمي لتجاوز فكرة مركزية الحضارات، واستكشاف شكل جديد للحضارة الإنسانية المعاصرة. وفي ظل التغيرات غير المسبوقة التي يشهدها العالم منذ القرن الماضي، لا سبيل أمام الدول إلا التمسك بمبدأ المساواة والتسامح والتعاون، من أجل توحيد الفكر والحكمة العابرة للحدود، وتشكيل قوة تعاونية راسخة تُرسّخ الأسس الفكرية المتينة للتنمية الاقتصادية والتواصل الثقافي.
إن التعاون فى مجال العلوم الإنسانية والبحث العلمي يعزز استمرارية التطور الحضاري، فمصر والصين، كحضارتين قديمتين، تحملان إرثًا تاريخيًا وثقافيًا عميقًا. ويُعد تعزيز التعاون الأكاديمي بين الجانبين، وإنشاء مختبر مشترك لدراسة الحضارتين النهرية (حضارة نهر النيل وحضارة النهر الأصفر) في مجالات الفلسفة والعلوم الاجتماعية، خطوة مهمة للتعاون المشترك بين الشعبين. حيث يركّز هذا التعاون على ابتكار طرق مستحدثة في إدارة وتنمية الموارد الزراعية والصناعية التقليدية، والبحث عن الروابط الروحية المشتركة في المعتقدات والأساطير، واكتشاف الجماليات المتقاربة في الأدب والفنون، مما يعمّق فهمنا لقوانين تطور الحضارات الإنسانية عبر البحوث متعددة التخصصات. ومن خلال التفاعل الثقافي العميق، يمكن بلورة قيم إنسانية مشتركة تقوم على السلام والتنمية والعدالة والمساواة والديمقراطية والحرية، لتتألق الحضارات المتنوعة في عصرنا الحاضر من خلال التفاعل المتبادل.
و من هنا تعتبر تقنيات الذكاء الاصطناعي المعاصر من أهم مجالات إحياء جينات الحضارة العريقة، حيث تسهم فى تعميق التعاون بين الخبراء في علم الآثار بين مصر والصين، والاستفادة المتبادلة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، في إحياء التراث الثقافي التقليدي المتميز. ومن خلال إنشاء نماذج رقمية متماثلة، واستخدام تقنيات التصوير متعدد الأطياف للكشف عن الكتابات الهيروغليفية المدفونة، يمكن توظيف التكنولوجيا الحديثة في حماية الآثار وترميمها، لإعادة الحياة إلى الجداريات الباهتة، وترميم المنحوتات المتضررة، وتحويل المواقع الأثرية النائمة إلى وسائط حيّة للحوار الحضاري، مما يمنح الثقافة التقليدية قوة نابضة تتجاوز حدود الزمن.
كما أن التعاون الاقتصادي والثقافي يُرسّخ أسس تطور الحضارة، من خلال الاستفادة من فرص التعاون الدولي مثل "مبادرة الحزام والطريق"، تعمل مصر والصين على تعميق التبادل الثقافي من خلال زيارات الشباب المتبادلة، والحوار بين مراكز الفكر، والتنسيق الإعلامي، مما يساهم في تعزيز التوافق الفكري لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية. كما يتم استكشاف العديد من المجالات التي تساهم في التعاون في مجالات ناشئة مثل التنمية الخضراء، والاقتصاد الرقمي، والصناعات الإبداعية، مما يجعل صوت قوافل طريق الحرير القديم يتناغم مع تدفق البيانات في التجارة الحديثة، ويحوّل العمق الحضاري إلى قوة دافعة لتحقيق التنمية والازدهار المشترك بين الدول، ويبرز فصلًا جديدًا في تاريخ التبادل الحضاري بين مصر والصين. خاصة وأن الشعبين المصري والصيني يتميزان بالعديد من المقومات المشتركة التي تسهم في المزيد من مجالات التعاون ورفع مستوي دخل الفرد والمجتمع.
- أستاذ بجامعة تشيلو