أحمد نسيم برقاوي نصف قرن من العطاء
ابتهال عبد الوهاب
في هذا المقال لسنا إزاء فيلسوف عادي ولكنه في حد ذاته مدرسه فلسفيه.الدكتور برقاوي صاحب كاريزما خاصه وذلك يعود إلى عدة عوامل . على رأسها الاقتدار و التمكن و الكفاءه
د.برقاوي له حضوره الخاص وسط المشهد الثقافي في الوطن العربي وخارجه.لم يكن ابدا مفكرا عاديا بل مثالا للفيلسوف الحر.اعماله الفلسفيه لا تخلو من الجدة والأصالة وهو صاحب درايه ومعرفه علميه كبيره واستطاع التماهي بين ذاته و بين الفلسفة والقيم الي درجه الانصهار
جرأته كفيلسوف اصيل اقتضت احترامه للقيم وإخراجه الحقيقة من الكهف لا تركها سجينة مكبلة في سراديب الصمت مهما كانت هذه الحقيقه
د. برقاوي مر بمحطات عديدة في حياته.حاول من خلالها تأسيس طرح فلسفي متين فجال في ميادين عديده وتناول قضايا عصره بالتحليل والنقد والتأمل واستثمر أدواته المنهجية في نقد الفكر الديني ونقد المذاهب والايدولجيات والأفكار التي تحد من الحريات الانسانيه
ولعل الدكتور برقاوي من أكثر الفلاسفه اهتماما بالشأن السياسي.ويحاول أن يضع إصبعه علي الجرح مهما كان عمقه وشده الالم .واستطاع بقلمه أن يعري التناقضات الموجوده علي الساحه السياسيه في محيطه العربي . وابصر بعينه الثاقبه مقدار الزيف والتدليس والاستبداد
لا يكتب كلمه الا وبها حرف من استناره أو ومضه من تنوير. محركا الراكد حول قضايا جدلية كالهويه والذات والحريه والمجتمع والتاريخ و الديمقراطية والإنسان والوجود
كشخص لا يقيده المجتمع بأطر تحد من حريته بل هو متحرر بكل الأبعاد المتصورة وغير المتصورة بعيدا عن ضغط الموروثات و العادات والتقاليد
آمن دكتور برقاوي بقيم الفلسفة التي يمكن أن نجمعها في القيم العقلية بل والإنسانية التي ناضل من أجلها بأعلى صوته مجسدا جرأة الفيلسوف في احترامه لحرية التفكير، احترامه لحرية التعبير، احترامه للحقيقة، احترامه للكرامة الإنسانية
ناضل بحدسه الفسلفي ووجدانه الفكري والروحي ليكشف في مرآة ثقافتنا وجه بشاعة التاريخ المعاصر،إن فلسفة د. برقاوي هي بيان ضد كل الانساق التي تدعي انها تملكت الحقيقة بالعنف وسلطة القوة فسحقت كل ابعاد الإنسانيه
انه فائق القدرة على رصد كل شيء في واقعنا البائس
و يبذل كل هذا الجهد المضني ليس لكي يؤكد بأن الشر واليأس أبدي، و إنما لكي يشير بالسبابة إلى اسباب انبعاث اليأس وفقدان الامل في هذا العالم
إن شذرات "د. برقاوي " تضمر أهم شيء وهو "النقد " الذي يؤسس لفلسفة الخلاص والفردانية
انه يزود الإنسان بأسلحة تمكنه من مواجه واقع البؤس واليأس وليس كما يفعل الوعاظ الدينيون عندما يطالبون الناس بالزهد و الهروب عن الواقع طلبا للذة والسعادة اليوتوبية
هكذا فالفيلسوف "برقاوي" يقول لنا ببساطة إذا كان واقعنا بشعا فإننا سنغيره عندما نعترف بأنه بشع، عندها سنتسلح بالقوة و الوعي الكافيين لتغييره حتى يطابق مفاهيم مثل الامل والحب وإنسانية الإنسان
د. برقاوي انتج فلسفات بها عري الواقع المعاصر وكشف زيف شعاراته ووصف انحصار أفق الامل فيه.
مسعى د. برقاوي دوما ليس نفسه؛ بل الحقيقة التي هي مراد الفلسفة أصلا تغييرا للأفراد والجماعات أو إصلاحا لحال المجتمع وانتشاله من واقع عسير أو زائف . بعيدا كل البعد عن القيم المزيفة التي يحركها الخوف، الطمع، المجد، البطولة والشهرة
دكتور برقاوي يحسن دائما قراءه المشهد حيث يبحث في واقعه وبيئته حتى يصل من خلالها إلى فكرة إنسانية . و يصنع دورا إيجابيا ويفتح مجالا مهما في نشر وترسيخ روح التسامح وتقبل الاختلاف، وحسن التعامل مع الآخر
ويدعو إلى اكتشاف فضاءات جديدة، عادة ما تكون مهملة أو خفية .و تأكيده دائما علي النزعه الفرديه والانسانيه
لا يتوانى في تأكيد أهمية النقد. ففي نظره كلما مارسنا النقد، تراجعت مساحة الكذب والزيف والوهم؛ ليس داخل المجتمع أو العالم فقط، وإنما داخل أنفسنا أيضا
الحريه في رأيه مزيفه إذا اقصر الإنسان علي تأمل العالم دون المشاركه فيه
د. برقاوي أعطانا فكره أعمق عن الحياه والذات والوجود وايضا منهجا نقديا نضع من خلاله الحياه والعالم وأنفسنا في موضع تساؤل.
د.برقاوي كتب عن انطولوجيا الذات .وعن الهويه و الحريه
كتب في التاريخ .وكتب في الفكر الحديث والمعاصر
كتابات الدكتور برقاوي ساهمت بجهد كبير و معترف به في تأهيل ثقافتنا في النقد وفي الأدب وفي الجماليات مما ادي بدوره الي الارتقاء بنزعتنا الانسانيه
ولعب دورا فاصلا في انسنه تصوراتنا للعالم وعلمنا أن الشك والتساؤل والنقد اهم خطواتنا في تحصيل المعرفه
د. برقاوي ليس مفكرا وفيلسوفا فقط .أنه يكتب النص الأدبي والشعري ولا يخلو نصه من الأفكار الفلسفيه
لقد حصد الدكتور برقاوي حبا ونجاحا كبيرا باحترامه لمقتضيات العقل، واحترامه لحق الاخر في التعبير، واحترامه لقيم الرحمة والتسامح والسلم . فله مني كل الاحترام والتقدير والحب
بقلم الكاتبه. ابتهال عبدالوهاب