4 سنوات على رحيله..
صلاح عطية.. ملياردير الغلابة.. قاهر الفقر وصانع «بيت المال»


صلاح عطية مهندس زراعي مصري، نذر نفسه للعمل الخيري القائم على الجهود الذاتية، فأثمر مؤسسات تعليمية وتربوية واجتماعية لم تكلف الدولة شيئا، وأرسى سلوكا تكافليا، واختفت مظاهر الفقر والحرمان والبطالة والمرض في قريته فحارب الفقر بالفقر ونجح في تحقيق التنمية المستدامة لقرية والقرى المحيطة بل محافظته والمحافظات المحيطة.
صلاح عطية من مواليد 18 مارس 1946 بقرية تفهنا الأشراف بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، أسرته فقيرة بالمعايير المادية المتعارف عليها، في قرية فقيرة حالها في ذلك حال غالبية قرى ونجوع وعزب مصر في الوجهيين القبلي والبحري.
أكمل صلاح تعليمه الابتدائي، حتى تخرج في كلية الزراعة حيث كان متميزًا ذو عقلية واسعة، محبًا للخير والنجاح.
مفتاح الشخصية
العمل المشترك وروح المحبة للجميع، ونذر نصيب من التجارة لله فقضى على الفقر، وضرب نموذجًا فريدًا في مواجهة الفقر بالفقر وتحقيق التنمية.
معايير تحديد الإنجاز
خرج من الإطار التقليدي للشاب الباحث عن العمل وإنشاء الأسرة إلى الشاب المحب لأهله وقريته باحثُا عن التنمية والقضاء على الفقر.
لم ينتم إلى حزب أو جماعة معينة، ولم يكن حكوميًا في يوم من الأيام، بل إفرازًا للبيئة الريفية المصرية بكل تفاصيلها، حيث عمق الحكمة في تلقائيتها وبساطتها، ولم يسع الرجل طيلة حياته الحافلة بالعمل الخيري الممتد إلى مقابل أو شهرة أو مجد، ولم يعرف عنه بلاغة الخطابة أو القول، فعباراته البسيطة لاستنهاض الرصيد الخيري في نفوس من حوله فجرت الطاقة الهائلة لديهم حيث الفعل والعمل بعيدا عن زخرف القول.
أول مصري يستخدم التجارة الجماعية في تنمية قريته وتحديد سهم منها لله ينفق على الفقراء والمساكين، وتجسد حياة صلاح عطية في أنه بقدر الإيمان بالفكرة والعمل لها وتلمس الطرق المؤدية إلى تحقيقها تأتي ثمرتها، مهما تواضعت الإمكانيات.
فارق صلاح عطية الحياة يوم الاثنين 12 يناير 2016 وهو في عمر السبعين عاما، بعد أن قضى عمره وفيا لفكرته عاملا من أجلها من دون رغبة في مال أو شهرة أو دعاية أو نفوذ تجسد سيرته ومسيرته "استقامة الفكرة وصلاح العطية"
وشهد جنازته مئات الألوف من المشيعين مما جعلها من أكبر الجنازات في مصر ونعاه العديد من الشخصيات في مصر لما كان له من أعمال خيرية بالرغم من انه كان بعيد كل البعد عن الإعلام ولم يعرف به الكثير من الناس إلا بعد وفاته
طول عمر النجاح
نجح صلاح عطية وفريقه الخيري، في تنمية قريتهم والقري المحيطة والمحافظات فباتت تجربتهم الخيرية باقية إلى اليوم، يسعى الجميع إلى اقتباس هذه التجربة.
في ذهنه الفقراء قبل أن يبدأ في مكافحة الفقر ومساعدتهم بما استطاع من قوة.
الآثار الخدمية الاجتماعية والثقافية والتنموية لمشروعاته في محافظات مصر المختلفة وضمن استمرارها بفكر اقتصادي بحت ولا تصبح مرتبطة بشخصه أو غيره.
بيت مال المسلمين نموذج اقتصادي خيري في مواجهة الفقر.
تفاعل بالملايين
شخصيته شعبية، وليست نخبوية حيث إنه رفض العمل السياسي أو الظهور في وسائل الإعلام حتى وفاته.
وهب حياته لخدمة الناس والناس تعشق من يخدمها.
وزع الصدقات على الملايين في شتى المجالات .
عاش في منزل بسيط لوالده ولم ينظر لحياته الخاصة بعيدًا عن رفع معاناة الناس.
حول الفقر من حالة للضيق والمعاناة إلى أداة لتحقيق التنمية والاكتفاء بأن خصص سهما من تجارته لله.
رحلته في تحقيق الاكتفاء الزراعي والاجتماعي والثقافي وتعميم التجربة على القري المحيطة.
بدايته التجارة بمبلغ بسيط وطموحه في التنمية والنجاح مع عدم إغفال حق الفقراء.
«دي إن آية» الشخصية
استخدام العقل في التخطيط الجيد لخدمة الناس واستخدام اللغة العامية وتعاليم الإسلام في مساعدة الناس
ملامح قصة نجاحه
بدأ هو وتسع آخرون في نفس ظروفه مشروع دواجن، ودفع كل منهم مبلغ 200 جنيه وكانوا في حاجة إلي شريك عاشر.
جاء صلاح عطية يبشر باقي أفراد المجموعة قائلا لهم "الشريك العاشر سيكون لله، الله سبحانه له عشر الأرباح"، فوافق الجميع على الفور، وبدؤوا المشروع وحققوا أرباحا لم تكن في حسبانهم، فقرروا زيادة نصيب القرض مع الله إلى 20% وتوالت الزيادة عاما بعد عام حتى وصلت نسبتها إلى 50%.
خصصت تلك النسبة من الأرباح في مشاريع خيرية بقريته تفهنا الأشراف، فأقيمت حضانة لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم بالمجان، مع نقلهم من القرى المجاورة والتكفل بزي الحضانة، ثم بناء معهد ديني ابتدائي للبنين ثم آخر للبنات، ثم معهد إعدادي للبنات ثم آخر للبنين. ثم معهد أزهري ثانوي للبنات ثم آخر للبنين.
بدأ صلاح عطية التفكير في إنشاء كلية جامعية للشريعة والقانون، تلتها كلية للتجارة بنات ثم كلية لأصول الدين ثم كليه للتربية، فأصبحت قرية تفهنا الأشراف أول قرية مصرية تقام فيها جامعة -وفق ما ذكرت وسائل إعلام-.
وأسهم أهالي القرية بالتبرع في إقامة تلك المنشآت حسب استطاعتهم، بداية من المشاركة في أعمال البناء إلى التبرع بالمال كل حسب استطاعته، وهكذا كلما توسع النشاط الإنتاجي توسع النشاط الاجتماعي، وإلى جانب ذلك أنشأ محطة قطار بالبلد أيضا بالجهود الذاتية، وبيت طالبات يسع 600 طالبة وبيت طلاب يسع 1000 طالب بالقرية.
توسع في إنشاء لجان متخصصة للتنمية داخل القرية، فهذه لجنة للزراعة مكونة من المهندسين الزراعيين على المعاش، لبحث كيفية زيادة إنتاجية المحاصيل المزروعة، ولجنة للشباب تختص بشغل أوقات فراغهم. ولجنة للتعليم مكونة من نظار المدارس بالمعاش لرفع المستوى التعليمي بالقرية.
أنشأ لجنة للمصالحات لها مقر ودفاتر للسعي للصلح في الخلافات المتنوعة داخل القرية. فالخلاف الزراعي يتدخل في حله متخصصون في الزراعة، والخلاف الهندسي يتكفل به مهندسين مدنيين، وهكذا في باقي أنواع الخلافات.
عمل على حصر الأرامل والمطلقات لتدبير وسيلة كسب لكل منهن، من خلال إعطائهن شاة وكمية من الأعلاف، كذلك تدريب الفتيات والسيدات على الخياطة وإعطاؤهن ماكينات خياطة، وتكليفهن بتفصيل زي الحضانة التي توزع بالمجان، فضمنت السيدات تسويق الإنتاج، مما رفع من المستوى المعيشي لهن.
حصر أصحاب الحرف بحيث تم شراء أدوات الحرفة لكل منهم. حتى لو كان طبيبا يتم شراء أدوات الطب له، أما غير أصحاب الحرف فقد اتفق مع متاجر جملة على إمدادهم بالبضائع لعمل منافذ بيع للسلع.
تسبب وجود أربع كليات جامعية بالقرية في حدوث رواج تجاري، وحركة نشيطة للنقل والمواصلات، كما قامت غالبية البيوت ببناء حجرات إضافية لتأجيرها للطلاب، والنتيجة أنه لم يعد بالقرية عاطل ولا فقير.
في مواسم حصاد المحاصيل الزراعية تجهّز أكياس لأهل البلد جميعهم صغيرهم وكبيرهم كنوع من الهدايا. وفي اليوم الأول من شهر رمضان يقوم أهالي القرية بتجهيز طعام ويتم عمل إفطار جماعي بساحة كبيرة يحضر فيها الجميع.
تعميم التجرية
لم تقتصر جهود صلاح عطية على قريته، بل امتدت إلى قرى مجاورة بالمحافظة والمحافظات الأخرى، أخذ الرجل ينتقل إليها وما من قرية زارها وغادرها إلا وأقام بها بيت مال للمسلمين لمساعدة الفقراء والأرامل والشباب عن طريق عمل مشاريع لهم تساعدهم على العيش دون الحاجة لأحد.
فجر صلاح عطية الطاقة الخيرية في نفوس البسطاء الذين لم يتأخروا في المساهمة بمشاريع الخير تلك بأموالهم البسيطة، حتى لو كانت دجاجة لإطعام العاملين على تنفيذها، كما يروي شهود العيان الذين شهدوا بعض الحشود التي لبت مسعى الرجل في الأعمال الخيرية، حيث تبارى الجميع في التبرع كل حسب طاقته، فمن ليس عنده مال تبرع بجهده للعمل كل حسب حرفته.
كسر هذا الأسلوب رتابة الحالة في مصر حيث تتركز المشاريع التنموية الحكومية على العاصمة والمدن، ولا تأتي على ذكر الريف والقرى إلا في المواسم الانتخابية عندما تكثر الوعود التي سرعان ما تتبخر ليظل الريف منسيا ومهملا في جميع المجالات التعليمية والصحية وغيرها.
فارق صلاح عطية الحياة يوم الاثنين 12 يناير 2016 وهو في عمر السبعين عاما، بعد أن قضى عمره وفيا لفكرته عاملا من أجلها من دون رغبة في مال أو شهرة أو دعاية أو نفوذ تجسد سيرته ومسيرته "استقامة الفكرة وصلاح العطية".
وشهد جنازته مئات الألوف من المشيعين مما جعلها من أكبر الجنازات في مصر ونعاه العديد من الشخصيات في مصر لما كان له من أعمال خيرية بالرغم من انه كان بعيد كل البعد عن الإعلام ولم يعرف به الكثير من الناس إلا بعد وفاته.