بالوعات الموت... من المسؤول عن رحيل الطفل سليم؟
محمود أبو السعود
لم يكن الطفل الصغير سليم يدرك أن خطواته البريئة في أحد شوارع شبرا الخيمة ستكون الأخيرة في عمره القصير. خرج كما يخرج آلاف الأطفال كل يوم، يلعب ويضحك ويركض بلا خوف، لكن الأرض هذه المرة لم تكن آمنة.
سقط سليم في بالوعة صرف صحي مكشوفة، وابتلعته فجوة الإهمال التي حُفرت بأيدٍ بشرية، وباركتها عيون غافلة لم ترَ الخطر أو لم ترد أن تراه.
حادثة مأساوية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، في بلد باتت الطرق والحفر والمطبات والبالوعات المكشوفة جزءًا من تفاصيل يومية، لا تثير سوى لحظة غضب قصيرة قبل أن نعود جميعًا إلى الصمت.
اقرأ أيضاً
ضربوني أنا ووالدتي.. مستأجرة تستغيث من مالك عقار بشبرا الخيمة وعائلته: عايشين في رعب بسببهم
ضبط عاطل هارب من أحكام بتهمة الاتجار في المخدرات بشبرا الخيمة
انقلاب ميكروباص بالطريق الحر بالقليوبية
اختناق 5 أشخاص في حريق بدروم عقار بشبرا الخيمة والحماية المدنية تسيطر
أول قرار فصل في العام الدراسي الجديد.. فصل طالب أسبوعًا بمدرسة نجيب محفوظ الرسمية للغات بشبرا الخيمة
بدء التشغيل التجريبى لكوبرى المندرة الانتهاء من الفواصل واستكمال أعمال المرافق والرصف لكوبرى السادات والمحاور الرئيسية لحل الأزمة المرورية
وزير التعليم العالي ومحافظ القليوبية يزوران مجمع البحوث والتطوير بمجموعة ”العربي”
محافظ القليوبية يشهد حفل تكريم حفظة القران الكريم بمسطرد
المؤبد لـ3 متهمين لاتجارهم في المواد المخدرة بشبرا الخيمة
محافظ القليوبية يترأس حملة اشغالات في حي شرق شبرا الخيمة
ضبط لص يتسلق منزل بشبرا الخيمة
رئيس مدينة كفر الدوار يتابع أعمال الرصف بعزبة خالد
مأساة في شارع بلا نهاية
الشارع الذي ابتلع "سليم" ليس شارعًا نائيًا في قرية مهجورة، بل في قلب شبرا الخيمة، أحد أكبر مدن القليوبية وأكثرها كثافة سكانية.
الطريق قيد الرصف منذ أكثر من عشرة أشهر، أعمال متوقفة، وردم متروك، ومعدات صدئة تملأ الأرصفة، وبالوعات مكشوفة بلا غطاء.
أهالي المنطقة حذروا مرارًا وتكرارًا من الكارثة، وقدموا بلاغات وشكاوى، لكن الردود الرسمية كانت دائمًا “جارٍ المتابعة”، و“تم الإخطار”، و“سنعمل على تلافي الملاحظات”.
كلمات منمقة تُكتب في مكاتبات حكومية باردة، لا تمنع سقوط طفل ولا تنقذ حياة إنسان.
"كأن أرواحنا لا تهم أحدًا... نعيش بين الحفر والمياه والقمامة، حتى أطفالنا لم يعودوا آمنين في شوارعهم."
كلمة تختصر حال آلاف المواطنين الذين يعيشون في ظل إدارة محلية تتعامل مع حياة الناس وكأنها أرقام في ملف لا أكثر.
حي شرق شبرا الخيمة... الغائب الحاضر
حي شرق شبرا الخيمة ليس جديدًا على الأزمات.
منذ سنوات، يعاني الحي من ضعف رقابة، وغياب واضح للمسؤولية، وتراكم أزمات النظافة والرصف والصرف الصحي.
العمال والمقاولون يعملون بلا إشراف، والمشروعات تُترك مفتوحة بلا متابعة حقيقية، حتى أصبحت الشوارع ورشًا مؤجلة لا يعرف المواطن متى تُغلق ولا كيف تُدار.
هل من الطبيعي أن يُترك طريق مفتوحًا بهذه الصورة عشرة أشهر؟
هل من المعقول أن تُترك بالوعات بلا أغطية في منطقة مأهولة بالسكان والأطفال؟
وأين مسؤولو الحي من كل هذا؟
إنها أسئلة مشروعة لكنها بلا إجابة، لأن من يملك الإجابة لا يملك الشجاعة.
المحافظ... مسؤول بالغياب
لا يختلف اثنان على أن المسؤولية في النهاية لا تقف عند موظف أو عامل بل تمتد إلى رأس الإدارة المحلية: المحافظ نفسه.
فكيف يُترك هذا الوضع الكارثي دون تدخل مباشر؟
لماذا لا نرى جولات ميدانية حقيقية تتابع التنفيذ وتتحقق من إجراءات الأمان؟
هل مهمة المحافظ أن يتلقى التقارير فقط من مكتبه أم أن ينزل إلى الشارع ليرى بنفسه واقع الناس؟
الإهمال الإداري في مثل هذه القضايا لا يقل خطرًا عن الإهمال الطبي، فكلاهما يقتل، وإن اختلفت الأدوات.
إن رحيل سليم جريمة مشتركة:
بين مقاول ترك البالوعة مكشوفة، وموظف لم يراقب، ومسؤول لم يتحرك، ومحافظ لم يتابع.
إنها سلسلة من التقصير تبدأ من أسفل السلم الإداري وتنتهي بأعلاه.
بهتيم... نموذج آخر من الفوضى
ومن شارع سليم إلى منطقة بهتيم القريبة، تتكرر المأساة في مشاهد مختلفة.
تحت كوبري بهتيم تتراكم القمامة والأتربة يوميًا في مشهد يثير الاشمئزاز، رغم أن المنطقة تقع على طريق رئيسي يمر به مسؤولو الحي والمحافظة يوميًا.
الروائح الكريهة، أسراب الحشرات، المياه الراكدة، الباعة الذين يفترشون الأرصفة بلا نظام...
كل ذلك يجري في العلن، لا يحتاج إلى لجان تقصي ولا تقارير، فقط إلى ضمير حي وإرادة حقيقية للتغيير.
لكن يبدو أن الإهمال لم يعد استثناءً بل صار قاعدة، حتى أصبح المواطن يتعامل معه كقدر محتوم لا مفر منه.
ليست قَدَرًا بل جريمة إدارية
من السهل أن نقول “قضاء وقدر”، لكن الأصعب أن نعترف بأن ما حدث نتيجة مباشرة لإهمال إداري وإنساني.
ما جرى لسليم يمكن أن يحدث لأي طفل آخر في أي مدينة مصرية، طالما غابت المحاسبة وغلبت ثقافة “خلاص، ما إحنا كده ماشيين”.
القدر لا يفتح بالوعات، ولا يترك الشوارع بلا إنارة، ولا يؤجل الرصف عشرات الشهور.
الذي يفعل ذلك هو الفساد البيروقراطي واللامبالاة الإدارية التي تقتل ببطء، مرةً بالغاز، ومرةً بالكهرباء، ومرةً بماء الصرف.
المطلوب... عدالة ومحاسبة حقيقية
المواطنون في شبرا الخيمة اليوم لا يريدون تعويضًا ولا وعودًا.
إنهم يريدون فقط أن يشعروا أن الدولة تحميهم لا تتركهم ضحايا للإهمال.
المطلوب تحقيق عاجل من النيابة العامة، ومساءلة حقيقية تشمل جميع المسؤولين في الحي والمحافظة، وليس الاكتفاء بإحالة موظف صغير للتحقيق كما يحدث دائمًا.
المطلوب أن يُغلق فورًا كل بالوعة مكشوفة في المدينة، وأن تُراجع أعمال الرصف المتوقفة، وأن تُعاد هيكلة منظومة الرقابة المحلية من أساسها.
رحيل سليم... جرس إنذار لا يجب تجاهله
رحل سليم، لكنه ترك وراءه سؤالًا يطارد الضمير العام:
كم "سليمًا" آخر يجب أن يموت حتى تتحرك الدولة؟
كم طفلًا سيُبتلع في حفرة، أو يُصعق بسلك كهرباء، أو يختنق داخل مدرسة، قبل أن ندرك أن الإهمال أخطر من الإرهاب؟
نحن لا نحتاج إلى بيانات مواساة، بل إلى ثورة حقيقية على ثقافة الإهمال، تبدأ من أصغر موظف وتنتهي بأعلى مسؤول.
إن حماية أرواح المواطنين ليست منّة من أحد، بل واجب قانوني وأخلاقي يفرضه الدستور وتقرّه الإنسانية قبل كل شيء.
حين تتحول حياة الناس إلى تفصيل ثانوي في خطط الإدارات، فاعلم أن الدولة في خطر.
وحين يموت طفل بسبب بالوعة مكشوفة، فاعلم أننا لا نعاني نقصًا في الإمكانيات، بل في الضمير.
رحم الله الطفل سليم، ولْيكن موته بداية يقظة تعيد للشارع المصري أبسط حقوقه.





















العدد الجديد من جريدة الميدان «1027»
العدد الجديد من جريدة الميدان «1022»
غدًا العدد الجديد من «جريدة الميدان» في الأسواق
العدد الجديد من جريدة الميدان «983»
الميدان تشاطر الأحزان في وفاة والدة الأستاذ محمد ربيع منيسي المدير المالي...
الكاتب الصحفي محمد يوسف وأسرة جريدة الميدان ينعون والدة الدكتور ماجد موسى...
ترقيه دكتوره منال متولي الي مدير عام بشركه ميدور
عائلات السماحي بالجدية تحتفل بخطوبة الأستاذة عبير كمال السماحي في أجواء مبهجة...