عندما نتحدث عن كنوز الفراعنة، فإن أول اسم يتبادر إلى الأذهان هو توت عنخ آمون. لكن في شرق الدلتا، وتحديداً في مدينة تانيس الأثرية، يوجد فرعون آخر لم يحظ بالشهرة نفسها بسبب ظروف تاريخية، رغم أن مقبرته كانت سليمة وتفوق كنوزها بعض كنوز توت عنخ آمون. إنه الملك بسوسنس الأول، ثالث ملوك الأسرة الحادية والعشرين.
كانت فترة حكم بسوسنس الأول (حوالي 1039 - 990 ق.م) جزءاً من عصر الانتقال الثالث، وهي فترة شهدت انقسام الحكم في مصر. فبينما كان هو يحكم من عاصمة الشمال، تانيس، كان كبار كهنة آمون يحكمون من طيبة في الجنوب. ورغم هذا الانقسام السياسي، تمكن بسوسنس من بناء مقبرة ملكية فخمة لنفسه ولأسرته.
في عام 1940، اكتشف عالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه مقبرة بسوسنس الأول في تانيس. كان الاكتشاف مذهلاً، فالمقبرة لم يمسسها اللصوص، واحتوت على كنوز فريدة، أبرزها تابوت من الفضة الخالصة، مما أكسب بسوسنس لقب "الفرعون الفضي" لأن الفضة كانت أندر وأغلى من الذهب في ذلك الوقت. كما عُثر على قناع جنائزي ذهبي، وأساور، وقلائد، ومجوهرات مرصعة بالأحجار الكريمة، جميعها تعكس روعة الفن المصري القديم.
لكن لماذا لم يحظ هذا الكشف بالضجة الإعلامية التي نالها اكتشاف توت عنخ آمون؟ الإجابة ببساطة هي أن العالم كان على وشك الغرق في ظلام الحرب العالمية الثانية.
اندلعت الحرب بعد أسابيع قليلة من الاكتشاف، وتضاءلت الأضواء عن كنوز بسوسنس، وظل هذا الكشف العظيم في طي النسيان لسنوات طويلة.
اليوم، تعرض كنوز الملك بسوسنس الأول في المتحف المصري بالتحرير، لتشهد على عظمة الحضارة المصرية ومهارة الصاغة القدامى. إن قصة بسوسنس ليست مجرد قصة ملك وكنوزه، بل هي قصة عن التاريخ الذي يختبئ في الظل، وينتظر من يكتشفه ويضيء عليه من جديد.