”حين يبتلع البحر أحلام الشباب”. . الهجرة غير الشرعية موت مؤجل باسم الأمل
بقلم : عبير العربي
لم يكن المركب يحمل فقط أجسادًا، كان يحمل أحلامًا ثقيلة، وقلوبًا متعبة، وشبابًا صدّقوا أن البحر أرحم من اليابسة، وأن المجهول قد يكون أعدل من واقعٍ ضاق بهم حتى الاختناق، خرجوا وهم لا يملكون سوى رغبة واحدة، أن يعيشوا حياةً تستحق أن تُعاش، لا أكثر، غرق المركب، لكن الحقيقة الأعمق أن الغرق لم يبدأ في البحر، بدأ قبل ذلك بوقت طويل، حين ظن هؤلاء أن الفرص قد ضاقت ، وأن الأمل قد تآكل ، وتحول الحلم المشروع إلى مخاطرة قاتلة، بدأ الغرق عندما شعر شاب في مقتبل عمره أن وطنه لم يعد يسع طموحه، وأن الموت في البحر ربما أهون من حياة بلا أفق، الهجرة غير الشرعية ليست مجرد مخالفة قانونية، إنها صرخة إنسانية مكتومة، لكنها في الوقت نفسه فخ قاتل، طريق واحد بلا ضمانات، بلا رحمة، وبلا عودة، البحر لا يعرف الأسماء، ولا يحترم الأحلام، ولا يفرّق بين من خرج مجبرًا ومن خرج مغامرًا، يبتلع الجميع في لحظة واحدة، ويترك خلفه أمهات مكسورات، وآباء صامتين، وبيوتًا لا يطرق بابها أحد، ما يؤلم أكثر من الموت، هو هذا السؤال الذي يتكرر في عيون الأمهات، هل كان ابني يستحق نهاية كهذه؟، والإجابة المؤلمة: لا، لم يستحق أن يكون الأمل سببًا في موته.
وهنا نحتاج أن نتوقف قليلًا، لا للبكاء فقط، بل للفهم، للفهم الحقيقي بأن الهجرة غير الشرعية ليست حلًا، وأن سماسرة الوهم يتاجرون بحياة الشباب مقابل حفنة أموال، ويتركونهم يواجهون البحر وحدهم، نحتاج أن نقولها بوضوح، لا يوجد حلم يستحق أن يُدفن في قاع البحر، ولا مستقبل يُبنى فوق جثث الغارقين، التوعية هنا ليست تخويفًا، بل إنقاذ، ليست كسرًا للأحلام، بل حماية لها، حماية للشباب من قرار لحظة قد ينهي عمرًا كاملًا، نحتاج أن نفتح بدائل، أن نخلق مسارات أمان، أن نعيد الثقة، وأن نُشعر أبناءنا أن الطريق مهما طال يظل أرحم من قفزة في المجهول، وللضحايا، أنتم لستم أرقامًا في نشرة أخبار، أنتم وجوه، وأسماء، وحكايات لم تكتمل، ستبقون شاهدين على وجعٍ يجب ألا يتكرر، وعلى مسؤولية جماعية تجاه كل من يفكر أن يسلّم حياته للبحر.
وإلى كل شاب يفكر في الهجرة غير الشرعية، اسأل نفسك بهدوء قبل أن تُسلّم حياتك للبحر،، هل ما تهرب منه أقسى فعلًا من هذا المصير؟.
وهل اليأس لحظة عابرة أم حكم نهائي على عمرك كله؟
اعرف أولًا أن من يدفعك لهذه الرحلة لا يراك إنسانًا، بل رقمًا، سماسرة الهجرة لا يخاطرون بأبنائهم، ولا يركبون البحر معك، هم يبيعون الوهم، ويشترون حياتك، ويختفون عند أول موجة.
لا تصدق من يقول لك إن «الكل وصل»؛ فالغارقون لا يكتبون منشورات، ولا يعودون ليروو الحقيقة.
نصيحتنا لك ليست أن تتخلى عن حلمك، بل أن تحميه، ابحث عن طرق قانونية، حتى وإن بدت أطول، فطريق الحياة مهما طال، أكرم من طريق الموت السريع، تعلّم حرفة، طوّر مهارة، استثمر في نفسك، اسأل، جرّب، افشل، أعد المحاولة، لكن لا تختصر الطريق بقفزة في الظلام، تحدث، لا تكتم، شارك خوفك مع من تثق بهم، مع أسرتك، مع أصدقائك، فالوحدة تصنع قرارات متهورة، والصمت أحيانًا أخطر من الفقر.
تذكر أن أمك لا تتحمل فكرة "مات وهو يحاول"، وأن نجاحك الحقيقي هو أن تعود لها حيًا، حتى لو كنت متعبًا.
واعلم أن الوطن، رغم قسوته أحيانًا، لا يتمنى لك الغرق، وأن الحياة لا تُقاس بالمكان، بل بالقدرة على الاستمرار، والكرامة لا يصنعها البحر، بل تصنعها الإرادة والصبر والعمل، لا تجعل لحظة يأس تكتب نهاية عمرك،ولا تجعل الحلم سببًا في دفنك، أنت تستحق فرصة حقيقية، وتستحق حياة كاملة، لا مجرد ذكرى موجعة في خبر عاجل.




















العدد الجديد من جريدة الميدان «1027»
العدد الجديد من جريدة الميدان «1022»
غدًا العدد الجديد من «جريدة الميدان» في الأسواق
العدد الجديد من جريدة الميدان «983»
المستشار ربيعي حمدي والكاتب الصحفي محمود أبو السعود يهنئان الدكتور محمد عبد...
الكاتب الصحفي سيد دويدار ينعى والدة آل السيسي
الميدان تنعى ببالغ الحزن الحاج نور أبوسمرة المعداوي وتتقدم بخالص العزاء لأسرة...
الميدان ينعي ببالغ الحزن عائلتي مرجان وأبو غانم في وفاة والده الأستاذ...