مقاربة فلسفية..في ضوء تحولات الإنسان المعاصر
شروق شعبان
الحاجة إلى منهج فكري جديد: مقاربة فلسفية في ضوء تحوّلات الإنسان المعاصر
تتناول هذه المقالة إشكالية الحاجة إلى منهج فكري جديد قادر على استيعاب الإنسان في سياق التحولات العميقة التي يشهدها العصر الراهن. تنطلق الورقة من فرضية مفادها أن المناهج الفلسفية الكلاسيكية — من العقلانية الديكارتية إلى الوضعية الحديثة — لم تعد كافية لفهم الإنسان المعاصر في تعقّده الوجودي والرقمي والقيمي. وتقدّم الورقة تحليلًا نقديًا لحدود هذه المناهج، وتقترح ملامح إطار منهجي تكاملي–تأويلي–نقدي يمكن أن يشكّل أساسًا لتجديد التفكير الفلسفي حول الإنسان.
---
مقدمة
يشهد العالم المعاصر تحولات بنيوية غير مسبوقة في طبيعة المعرفة، والوعي، والهوية، والعلاقات الاجتماعية. وقد أدّت هذه التحولات إلى بروز أسئلة جديدة حول موقع الإنسان، وحدود العقل، ومعنى الحرية، ودور التقنية، وهي أسئلة لا يمكن للمناهج الفلسفية التقليدية — التي نشأت في سياقات تاريخية مختلفة — أن تستوعبها بصورة كافية.
تسعى هذه المقالة إلى معالجة سؤال مركزي:
هل يحتاج الفكر الفلسفي المعاصر إلى منهج جديد قادر على استيعاب الإنسان في تعقّده الراهن؟
وتفترض الورقة أن الإجابة الإيجابية على هذا السؤال تستلزم تحليلًا نقديًا للمناهج السابقة، وتحديدًا للثغرات التي تجعلها عاجزة عن فهم الإنسان اليوم، ثم اقتراح إطار منهجي بديل يتسم بالمرونة والتركيب.
---
أولًا: التحوّل في وضع الإنسان والمعرفة
1. الإنسان في الفلسفات الكلاسيكية والحديثة
اعتمدت الفلسفات القديمة والوسيطة على رؤية كونية ثابتة نسبيًا، حيث يُفهم الإنسان ضمن نظام ميتافيزيقي أو ديني متماسك. ومع الحداثة، خصوصًا مع ديكارت، انتقل مركز الثقل إلى الذات العاقلة بوصفها أساس المعرفة.
ورغم الطابع الثوري للمنهج الديكارتي، فقد ظل الإنسان يُفهم باعتباره ذاتًا مستقلة تواجه عالمًا موضوعيًا يمكن إخضاعه للمنهج العلمي.
2. الإنسان المعاصر: تعدّد الطبقات وتشظّي الهوية
تغيّر وضع الإنسان جذريًا في العصر الرقمي؛ إذ أصبح:
• كائنًا يعيش بين الواقع والفضاء الافتراضي
• محاطًا بأنظمة تقنية وخوارزميات تؤثر في قراراته
• معرضًا لأزمات معنى وقلق وجودي
• فاقدًا لمركز معرفي أو قيمي ثابت
هذا التحوّل يجعل المناهج التقليدية — القائمة على مركزية العقل أو ثبات الهوية — غير قادرة على تفسير الظواهر الإنسانية الجديدة.
---
ثانيًا: قصور المناهج الفلسفية التقليدية
1. محدودية العقلانية الاختزالية
تقوم العقلانية الحديثة على افتراض أن العقل قادر على تفسير الظواهر تفسيرًا كافيًا. غير أن هذا الافتراض يؤدي إلى اختزال الإنسان في بعد واحد، وإهمال أبعاده الشعورية والروحية والرمزية.
كما أن العقلانية الأداتية ساهمت في تحويل الإنسان إلى عنصر داخل منظومات الإنتاج والتقنية، وهو ما يتعارض مع فهمه كذات حرّة.
2. إشكالات الوضعية والتقنية
تُقصي الوضعية كل ما لا يخضع للقياس، مما يجعلها عاجزة عن التعامل مع أسئلة المعنى والقيمة والغاية.
وفي ظل هيمنة التقنية، أصبح الإنسان يُفهم بوصفه “مستخدمًا” أو “بيانات”، وهو اختزال لا يمكن أن يقدّم فهمًا فلسفيًا متكاملًا.
3. الجمود في المناهج التراثية
تؤدي القراءة الجامدة للتراث إلى تحويله إلى منظومة مغلقة، بدل أن يكون مصدرًا للتجديد.
كما أن هذه المناهج غير قادرة على التعامل مع ظواهر جديدة مثل الهويات الرقمية، أو أنماط التدين الفردي، أو التحولات الاجتماعية السريعة.
---
ثالثًا: نحو منهج جديد — تجاوز لا قطيعة
لا يعني الحديث عن منهج جديد القطيعة مع التراث الفلسفي، بل يعني تجاوزه تركيبًا.
فالمنهج الجديد يجب أن:
• يستوعب المنجزات العقلانية دون الوقوع في الاختزال
• يستفيد من الظاهراتية والتأويلية دون السقوط في النسبية المطلقة
• يوظّف النقدية دون أن يتحول إلى تفكيك بلا بديل
• ينفتح على التراث دون أن يخضع له
بهذا المعنى، يصبح المنهج الجديد مشروعًا تركيبيًا يتجاوز الثنائيات التقليدية.
---
رابعًا: ملامح المنهج الفكري المنشود
1. منهج تكاملي
يستند إلى رؤية شمولية للإنسان، بوصفه كائنًا متعدد الأبعاد: عقل، شعور، جسد، لغة، تاريخ، مجتمع، وروح.
ويرفض أي مقاربة تختزل الإنسان في بُعد واحد.
2. منهج تأويلي–ظاهراتي
يمنح الأولوية لفهم التجربة الإنسانية كما تُعاش، ويعترف بأن الإنسان يتحرك داخل شبكات من المعاني والرموز.
يسمح هذا المنهج بفهم ظواهر مثل القلق الوجودي، والتحولات في الهوية، والتجارب الروحية الجديدة.
3. منهج نقدي–قيمي
يُخضع الخطابات السائدة — السياسية، الدينية، التقنية — للنقد، ويعيد الاعتبار للقيم الإنسانية الأساسية مثل الكرامة والحرية والمسؤولية.
وهو منهج يوازن بين التفكيك وإعادة البناء.
4. منهج حضاري–تراثي مجدِّد
يتعامل مع التراث بوصفه موردًا للمعنى، لا مجرد منظومة أحكام.
ويهدف إلى استخراج إمكاناته الإبداعية، بدل استدعائه كسلطة مغلقة.
---
خامسًا: موقع المنهج الجديد من المشروع الديكارتي
قدّم ديكارت ثورة منهجية في عصره، لكن مركزية الذات العاقلة لم تعد كافية لفهم الإنسان المعاصر.
المنهج الجديد المطلوب هو ما بعد–ديكارتي، لأنه:
• يتجاوز مركزية الذات المنعزلة
• يعترف بحدود العقل
• يدمج بين العقل والتجربة والقيمة
• يواجه تحديات التقنية والرقمنة
---
خاتمة
تؤكد هذه المقالة أن التحولات العميقة التي يشهدها العالم المعاصر تجعل الحاجة إلى منهج فكري جديد ضرورة فلسفية وحضارية.
فالإنسان اليوم يعيش في سياق تتداخل فيه التقنية مع الوعي، والبيانات مع الهوية، والسرعة مع القلق، وهو ما يستدعي إطارًا منهجيًا قادرًا على استيعاب هذا التعقيد.
يقترح البحث منهجًا تكامليًا–تأويليًا–نقديًا–حضاريًا، بوصفه استجابة ممكنة لهذه الحاجة، ويدعو إلى تطويره عبر دراسات لاحقة تتناول تطبيقاته في مجالات الفكر الديني، والعلوم الإنسانية، والتربية، والنقد الثقافي.




















العدد الجديد من جريدة الميدان «1027»
العدد الجديد من جريدة الميدان «1022»
غدًا العدد الجديد من «جريدة الميدان» في الأسواق
العدد الجديد من جريدة الميدان «983»
المستشار ربيعي حمدي والكاتب الصحفي محمود أبو السعود يهنئان الدكتور محمد عبد...
الكاتب الصحفي سيد دويدار ينعى والدة آل السيسي
الميدان تنعى ببالغ الحزن الحاج نور أبوسمرة المعداوي وتتقدم بخالص العزاء لأسرة...
الميدان ينعي ببالغ الحزن عائلتي مرجان وأبو غانم في وفاة والده الأستاذ...