في قلب القاهرة التاريخية، وعلى مرمى حجر من الجامع الأزهر، يتربع بيت زينب خاتون، صرح معماري فريد يحكي قصة صموده أمام تقلبات الزمن.
يعود تاريخ البيت إلى عام 1468م، في العصر المملوكي، ولكنه ارتبط اسمه فيما بعد بالسيدة زينب خاتون، التي اشتراه لها زوجها الأمير شريف حميدة في القرن الثامن عشر، لتصبح السيدة الأكثر نفوذًا في ذلك الحي.
يشتهر البيت بقصته المرتبطة بالحملة الفرنسية، حيث يُقال إن زينب خاتون قامت بإيواء عدد من الثوار المصريين الفارين من بطش جنود نابليون، مستغلة دهاليزه السرية ومخابئه الخفية، مما جعله رمزًا للمقاومة الشعبية. هذه الحكاية، سواء كانت حقيقة تاريخية أو مجرد أسطورة، أضفت على البيت هالة من الغموض والبطولة.
روائع العمارة المملوكية والعثمانية
يُعتبر بيت زينب خاتون نموذجًا رائعًا للعمارة الإسلامية التي تجمع بين الطرازين المملوكي والعثماني. يتميز البيت بتصميمه الذي يراعي خصوصية العائلة ويوفر بيئة معيشية مريحة في مناخ القاهرة الحار.
الفناء الداخلي (الحوش): هو قلب البيت النابض، حيث تتجمع حوله جميع الغرف. يعمل الفناء كمنظم للتهوية والإضاءة، ويحتوي في وسطه على فسقية (نافورة) تضفي على المكان برودة وهدوءًا.
المقعد: وهو مساحة شبه مفتوحة تطل على الفناء، كانت تُستخدم لاستقبال الضيوف من الرجال. يتميز المقعد بأسقفه الخشبية المزخرفة ونقوشه الدقيقة التي تعكس براعة الصناع آنذاك.
المشربيات: من أبرز العناصر المعمارية في البيت، فهي شرفات خشبية مزخرفة تسمح لسيدات المنزل بمراقبة الحياة في الشارع دون أن يراهن أحد، مما يحافظ على الخصوصية.
بعد أن تعرض البيت للإهمال لفترة طويلة، قامت الحكومة المصرية بترميم شامل له في التسعينيات من القرن الماضي، ليعود للحياة كمركز ثقافي وفني يستضيف الأمسيات الموسيقية والمعارض الفنية، ويقدم ورش عمل للحرف اليدوية، ويصبح بذلك جسرًا يربط بين عظمة الماضي وحيوية الحاضر.