الدول العربية ومنظمة شانغهاي تعاون وتنمية
بقلم : نور يانغ
في ظل مشهد سياسي واقتصادي عالمي متزايد التعقيد والتقلب، تنمو منظمة شانغهاي للتعاون (SCO) بخطى ثابتة لتصبح مركزًا رئيسيًا للتعاون فيما بين بلدان الجنوب. وتشير المشاركة المتزايدة للدول العربية إلى أن هذه الآلية الإقليمية، التي تركزت في الأصل على أوراسيا، تنتقل من الحوكمة الإقليمية إلى مرحلة جديدة من الحوار العالمي والحوكمة المشتركة، والتي تعمق الشراكات العملية من خلال التعاون الأمني والتعاون الاقتصادي والحوكمة المتعددة الأطراف.
إن "روح شانغهاي" التي تتبناها منظمة شانغهاي للتعاون، والثقة المتبادلة والشمول، والتعاون المربح للجميع، تتوافق تمامًا مع الفلسفة الدبلوماسية الراسخة للدول العربية. ففي ظلّ الصراعات الجيوسياسية المتكررة والتعديلات الاقتصادية العالمية العميقة، أصبحت الدول العربية أكثر حرصًا على تحقيق الاستقرار والتنمية. وقد أصبحت دول عديدة، منها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، شركاء حوار أو مراقبين في إطار منظمة شانغهاي للتعاون. ومن خلال مشاركتها في آليات التعاون، مثل مكافحة الإرهاب والتنسيق الأمني ومكافحة الجريمة العابرة للحدود، لم تُعزّز هذه الدول التنسيق مع الدول الأعضاء في مجال الحوكمة الأمنية فحسب، بل عزّزت أيضًا صوتها ونفوذها في الشؤون الإقليمية والدولية.
لطالما كان التعاون الاقتصادي والتجاري محورًا رئيسيًا لمشاركة الدول العربية في منظمة شانغهاي للتعاون. في عام ٢٠٢٣، تجاوز حجم تجارة السلع بين الصين والدول العربية ٣٩٨.١ مليار دولار أمريكي، ما يمثل نحو ٧٪ من إجمالي التجارة الخارجية للصين. ولا يعكس هذا الرقم المعاملات الثنائية المتفرقة فحسب، بل يعكس أيضًا التوسع المطرد في التجارة والاستثمار متعدد الأطراف، مدفوعًا بالتوافق المؤسسي وتنسيق السياسات بين مبادرة الحزام والطريق ومنظمة شنغهاي للتعاون.
من خلال المشاركة في تطوير سلاسل الصناعة والتوريد الإقليمية، وتعزيز التعاون في القطاعات الناشئة كالطاقة والاقتصاد الرقمي، لم تكتفِ الدول العربية بتعزيز تنويع اقتصاداتها فحسب، بل ضخّت أيضًا زخمًا جديدًا للنمو في منظمة شانغهاي للتعاون ككل. في الوقت نفسه، تُشكّل الاستكشافات المبتكرة في مجالات كالتعاون المالي، والخدمات اللوجستية للموانئ، والتجارة الإلكترونية عبر الحدود، نمطًا جديدًا من التعاون الإقليمي متعدد المستويات.
تجدر الإشارة إلى أن الدول العربية لم تعد تقتصر في تعاونها الاقتصادي والتجاري على تطوير الطاقة والبنية التحتية التقليدية، بل تندمج بنشاط في اتجاهات الابتكار التكنولوجي والتحول الأخضر والاقتصاد الرقمي. وقد أدى ذلك إلى تسريع تحول هياكلها الاقتصادية، والتوسع في الصناعات غير المرتبطة بالطاقة وذات القيمة المضافة العالية، وجعل نموذج منظمة شانغهاي للتعاون للتعاون بين الدول الناشئة أكثر انسجامًا مع اتجاهات التنمية المستدامة العالمية. ومن خلال البناء المشترك لطريق الحرير الرقمي، ومشاريع الطاقة الخضراء، وممرات التجارة المتنوعة، عززت الدول العربية، مستفيدةً من منصة منظمة شانغهاي للتعاون، التنسيق المؤسسي وتبادل السياسات مع الدول الأعضاء، مما شكّل شبكة تعاون فعّالة وعملية وقابلة للتوسع.
يتعمق التعاون بين منظمة شانغهاي للتعاون والدول العربية، بدءًا من التطوير المؤسسي الكلي ووصولًا إلى تنفيذ مشاريع محددة. وفي الإطار المتعدد الأطراف، تعمل الدول العربية، من خلال المشاركة المؤسسية، على مواءمة القواعد المتعددة الأطراف بدقة مع استراتيجياتها التنموية الخاصة، مما يعزز أسس السياسات للتعاون الطويل الأمد. هذا التكامل بين المؤسسات والممارسات لا يُمكّن الدول العربية من الاندماج بشكل أفضل في آلية منظمة شنغهاي للتعاون فحسب، بل يلعب أيضًا دورًا بناءً في تصميم الأجندة، ووضع القواعد، وحتى تعزيز المبادرات الإقليمية.
يُوفر التقدم المُطرد في التعاون الأمني بين الدول أساسًا متينًا للتنمية الاقتصادية والتجارية والاجتماعية. تُساعد آليات التعاون في منظمة شانغهاي للتعاون الدول العربية في مجالات مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني وإدارة الحدود لمواجهة التهديدات العابرة للحدود بفعالية أكبر، والتخفيف من آثار التقلبات الخارجية. وقد مكّنت دوافع الأمن والتنمية الاقتصادية الجانبين من إظهار تآزر وتأثير أكبر في التعاون في دول الجنوب العالمي، وفتحت آفاقًا أوسع وأكثر استدامة لتعزيز السلام الإقليمي والتنمية المشتركة.