خالد مصطفى يكتب: حين لا يؤتمن المؤتمن

انتشر مؤخراً بحث علمي يتضمن ان تناول عصير الرمان يعتبر صحي وغني بمضادات الأكسدة وهذا الكلام علمياً صحيح ولكن البحث العلمي لا يخبرك ان عصير الرمان ثمنه غالي و ان هناك عصائر بديلة وباسعار ارخص مثل العنب و البحث العلمي لا يقول لك بان هذا البحث (مموّل)
بـ20 مليون دولار من الشركة التي تبيع عصير الرمان والبحث لا يخبرك انه بحث تجاري وليس علمي هذا ما وضحته الدكتوره ماريون نستله أستاذة التغذية في جامعة نيويورك
في كتابها الحقيقة المرّة وكيف تشوه الشركات علم الغذاء والذي تناول الكثير من الألاعيب التي تقوم بها الشركات التجارية للتاثير على المستهلك في طعامه ودوائه عن طريق الابحاث والتقارير العلمية الممولة فالكثير من الشركات الغذائية تدفع الملايين لمراكز البحوث من أجل الترويج لمنتجاتها وتخفي معلومات مفيدة عن منتجات اخرى منافسة بشكل متعمد واعتبرت الأستاذة ماريون نستله ان هذه الابحاث ترويجية وليست ابحاث علمية لذا تقول عندما أقرأ دراسات تروج لفوائد نوع واحد من الغذاء فانني أسأل هل تاثرت الدراسات البحثية بعوامل أو تصرفات تجارية تؤثر على الأبحاث العلمية و ما هي الجهات التي مولت هذه الدراسات
او الابحاث على سبيل المثال مارست شركة كوكا كولا نفوذاً كبيراً من اجل تغيير الحقيقة عن المشروبات الغازية والتي ساهمت في انتشار السمنة في الولايات المتحدة والعالم حيث قامت الشركة بتمويل عدة دراسات من ضمنها دراسة حول سمنة الأطفال
و قالت الدراسة أن قلّة الحركة البدنية واضطرابات النوم ومشاهدة التلفزيون لساعات طويلة كانت هي الاسباب الرئيسة لهذه السمنة وطنشت موضوع ان المشروبات الغازية الممتلئة بالسكريات هي من اكبر المسببات لسمنة الاطفال ولإضفاء المزيد من المصداقية على هذه الدراسة أدرجت كوكا كولا اسماء علماء جامعيين بارزين ساهموا في البحث ولكنها ايضاً لا تخبرك انهم حصلوا على أموال مقابل وضع اسمائهم على هذا البحث
لذلك علينا ان نسال عندما يذكر في الاعلام عن دراسة ما حول من الذي موّل الدراسة لانه صلب الموضوع ولا ينطبق ذلك على ابحاث المواد الغذائية فقط ولكن حتى على الأدوية والمكملات الغذائية، وأنظمة التمارين الرياضية ومنتجات وخدمات أخرى فمثلا قدم مدير مركز ميموريال سلون كيترينغ للسرطان
Kettering Cancer Center استقالته بعد اكتشاف حصولة على ملايين الدولارات من الشركات المنتجة للأدوية وكان أجري تحقيق في هذه القضية وكشف أن المدير أضاف ملاحظات إيجابية على بعض الادوية المخصصة لسرطان لتسويقها ولكن وجد باحثون آخرون انها ناقصة وغير كافية لاثبات ايجابيتها وفوائدها وتحدث مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز عن نوع آخر من تضارب المصالح في التبليغ عن اختبارات الأدوية حيث تتعمد بعض الشركات اخفاء او تشوية الدراسات التي تشير الى نتائج شديدة السلبية عن بعض الأدوية او مستحضرات التجميل والتلاعب بالنتائج و إضفاء عليها إشارات إيجابية ويذكر الكتاب ان خمسون عاماً من البحوث أثبتت تأثير الشركات المصنعة للادوية على سلوك الأطباء إذ يكفي تقديم هدايا اعلانية مثل الأقلام المطبوعة باسم العلامة التجارية لإحدى الشركات لدفع الأطباء إلى تجاهل ادوية بديلة فمابالكم بامور اخرى وتوثق نستله في كتابها كيف أصبحت الشركات التجارية عضوة او ممولة في بعض المنظمات الصحية والغذائية التي يعتمد عليها الناس بالإضافة الى دعم صحافيون متخصصون في العلوم للحصول على تقييمات ايجابية لمنتجاتهم واحيانا يضعون ملاحظات سلبية لمنتجات منافسينهم حتى الخبراء في المنظمات أو اللجان التي تصيغ النصائح الصحية لناس يمكن أن يرضخوا للتأثيرات التجارية والجامعات المرموقة لم تسلم من تاثير الشركات العملاقة حيث أشار الكتاب إلى وجود تضارب مصالح بين الشركات والجامعات و يمكن لنتائج الدراسات أن تضلل المستهلكين وخصوصا عندما تصدر عن مؤسسة مرموقة أو هيئة متخصصة للأسف أصبحنا نعيش في عالم يعتبر كل وجبة نتناولها خيانة وكل قطعة خبز نأكلها جريمة وكل مشروب نشربه كارثة صحية لقد أصبحنا نتهرب ونتخفى من أن يتم كشفنا متلبسين ونحن نمارس الاستمتاع بوجبة لذيذة بدون أن نجد أنفسنا في معركة يومية مع الخبراء والمختصين الغذائيين وغيرهم الذين يحذرون من كل شيء وبعد عقود من النصائح الغذائية المدعمة بالأبحاث اكتشفنا انها مجرد اعلانات تسويقية وليست ابحاث علمية فلا يقول لنا احد ان هذه امريكا او هولندا او غيرهم ولديهم منظمات
و مؤسسات للرقابة والتدقيق لانهم بطريقة ما تم التاثير عليهم ومحاربة كل من يحاول كشفهم لدرجة تصل للاغتيال المهني والاعلامي وهذه كارثة حقيقية حينما لا يؤتمن المؤتمن