مظهر أبو عايد يكتب: السياسة الخارجية المصرية بعد 30 يونيو.. من إدارة الأزمات إلى صناعة التوازن وإعادة تشكيل الصورة الذهنية
على مدار أكثر من عقد منذ ثورة 30 يونيو 2013، شهدت السياسة الخارجية المصرية تحولًا استراتيجيًا عميقًا، ركّز على إعادة بناء الدور المصري في المنطقة وعلى الساحة الدولية، واستعادة الاعتراف بمكانتها المؤثرة في إدارة الأزمات الإقليمية. كما سعت مصر إلى مواجهة الحملات الإعلامية التي حاولت تشويه الدولة وربطها بالإرهاب والصراعات، وقد نجحت الدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في رسم خارطة خارجية متوازنة، تقوم على الندية واحترام القانون الدولي، وتجنب الاصطفافات الحادة بين القوى الكبرى، ما أتاح توسيع قاعدة العلاقات وتثبيت مصالحها في بيئة دولية وإقليمية متقلبة.
السياسة الخارجية بعد 30 يونيو لم تكن استمرارية بل إعادة تأسيس للدبلوماسية الوطنية، اعتمدت على الدبلوماسية الرئاسية النشطة التي عززت التواصل السياسي مع العواصم العالمية، وفتحت قنوات للحوار مع القوى الكبرى من الولايات المتحدة إلى روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، دون تفضيل طرف على آخر. هذا التوازن ساعد في استعادة الثقة الدولية في الدور المصري وكسر حالة العزلة التي شهدتها القاهرة بعد 2011، ما أعاد تعزيز حضور مصر كلاعب مؤثر في القضايا الإقليمية والدولية.
وفق خبراء ودبلوماسيين، كانت الدبلوماسية المصرية سبّاقة في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن ثورة 30 يونيو، من خلال حوار مستمر مع الشركاء الدوليين وشرح المواقف المصرية في ملفات فلسطين وليبيا وسوريا. وقد أكسب هذا النهج القاهرة وزنًا جديدًا في المحافل الدولية، وجعل صوتها أكثر تأثيرًا في القرارات المتعلقة بالأمن والاستقرار الإقليميين، كما أشار السفير محمد العرابي، مؤكّدًا على نجاح مصر في إعادة تفعيل دورها كفاعل محوري.
على المستوى العربي، أيد القادة العرب خطة مصرية لإعادة إعمار غزة بعد الحرب بقيمة نحو 53 مليار دولار، تشمل إعادة البنية التحتية الأساسية والسماح للسكان بالبقاء في قطاعهم، وهو موقف جماعي يرفض أي محاولات لتهجير السكان أو تغيير ديمغرافيا المنطقة. هذا النجاح عزز القيادة المصرية في العالم العربي سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا ودبلوماسيًا، بعد فترة من الانكماش النسبي عقب أحداث 2011، حيث لعبت القاهرة دور الوسيط والمحرك في تسوية الأزمات الإقليمية عبر دعم المؤسسات الوطنية وصياغة قرارات عربية جماعية.
في الملف الفلسطيني، أكدت مصر موقفها الثابت الداعم للحل السياسي العادل وفق القانون الدولي، وعملت كوسيط رئيسي بين الأطراف المعنية، مع فتح معبر رفح لتقديم المساعدات الإنسانية. وقد عبّر مسؤولون دوليون عن هذا الدور، حيث غادر أكثر من 3500 فلسطيني غزة عبر المعبر، بينهم أكثر من ألفي شخص بحاجة إلى رعاية طبية، وهو ما يعكس الدور الإنساني المصري ضمن الاستجابة الدولية للأزمة.
اقتصاديًا، ربطت مصر دبلوماسيتها بالتعاون التجاري والاستثماري مع الدول العربية، ما أدى إلى ضخ استثمارات مشتركة تجاوزت 20 مليار دولار في مشاريع تنموية وبنية تحتية. أمنيًا، ساهمت القاهرة في تنسيق جهود مكافحة الإرهاب والتطرف بين الدول العربية، بينما دبلوماسيًا نجحت في توحيد المواقف العربية في المحافل الدولية وإعادة صياغة الدور العربي في حل النزاعات، مما عزز مكانتها كقوة محورية وموثوقة في قيادة القضايا الإقليمية الكبرى، وهو ما أشادت به التقارير الدولية معتبرة مصر نموذجًا للاستقرار العربي.
نجحت مصر في تعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية على المستوى العالمي، مع جميع القوى الكبرى دون تفضيل طرف على آخر، ما انعكس بشكل مباشر على تقوية قدرات الجيش المصري وزيادة جاهزيته لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية. واستثمرت القاهرة هذه العلاقات في تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات المشتركة، إلى جانب توقيع اتفاقيات تعاون عسكري متقدمة مع شركاء استراتيجيين، كما أسهمت هذه الشراكات في استجلاب التكنولوجيا العسكرية الحديثة، بما دعم جهود التصنيع المحلي وتطوير الصناعات الدفاعية الوطنية. وقد ساعد هذا التنوع في المصادر العسكرية على تقليل أي اعتماد أحادي الجانب، وتعزيز استقلالية القرار الاستراتيجي المصري. بالإضافة إلى ذلك، لعبت المبادرات التدريبية والتمارين المشتركة دورًا مهمًا في رفع كفاءة القوات المسلحة، وتحسين جاهزيتها العملياتية. كل هذه العوامل جعلت الجيش المصري قوة حديثة متطورة قادرة على حماية الأمن القومي والمساهمة في الاستقرار الإقليمي.
على الصعيد الاقتصادي والاستثماري، نجحت مصر في بناء شبكة علاقات واسعة مع القوى الاقتصادية العالمية، ما انعكس على تدفق الاستثمارات والمشروعات التنموية الكبرى إلى السوق المحلية. واستفادت القاهرة من شراكات استراتيجية مع دول الاتحاد الأوروبي والصين ودول الخليج، ما أسهم في نقل التكنولوجيا والخبرات الحديثة وتطوير البنية التحتية، وقد أدت هذه العلاقات إلى ضخ استثمارات مباشرة تجاوزت عشرات المليارات في قطاعات الطاقة والاتصالات والبنية التحتية، ما عزز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، كما ساهمت الاتفاقيات التجارية المتعددة في تنويع الشراكات الاقتصادية وتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على أسواق محددة، ولا يقتصر النجاح على حجم الاستثمارات فقط، بل شمل أيضًا تحسين بيئة الأعمال وتشجيع الصناعات المحلية على التوسع والاستفادة من التكنولوجيا العالمية. وبهذه الطريقة، استطاعت مصر أن تحقق توازناً بين الجوانب الاقتصادية والتنموية واستثمار الفرص الدولية لخدمة مصالحها الوطنية.
كما ساهمت مصر كوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن وتوسيع فترات الهدنة، مما أظهر قدرتها على خفض التصعيد وتسهيل الحوار السياسي. في الملف الليبي، لعبت مصر دورًا مؤثرًا في دعم الاستقرار السياسي وحماية مؤسسات الدولة الشرعية، ودعت لحوار داخلي شامل دون تدخلات خارجية، بما يتوافق مع أهدافها في حماية الأمن القومي ومنع امتداد العنف إلى حدودها الغربية.
على الصعيد الإفريقي، نجحت السياسة الخارجية المصرية في تعزيز الحضور السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، من خلال توطيد العلاقات مع دول حوض النيل والقرن الإفريقي وإقامة شراكات استراتيجية. مصر لعبت دور الوسيط في تهدئة النزاعات ودعم استقرار المؤسسات الوطنية، بينما ساهمت مشروعاتها المشتركة واستثماراتها التي تجاوزت 7.5 مليار دولار في تعزيز التنمية والبنية التحتية وخلق فرص عمل. كما قدمت الدعم الاستخباراتي والتنسيق الأمني لمكافحة الإرهاب، وشاركت في التدريبات والمبادرات العسكرية لتعزيز جاهزية القوات الأفريقية.
في حوض النيل، بنت مصر علاقات استراتيجية مع دول الحوض لتقليل التوترات المتعلقة بسد النهضة، وسعت لتدويل القضية ضمن إطار الأمن والسلم الدوليين، وهو التوجه الذي لاقى دعمًا من بعض القوى الكبرى لتحقيق حلول تفاوضية متوازنة. كما حققت مصر نتائج مؤسسية على مستوى المشاركة في المنظمات الدولية، مثل مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن ورئاسة الاتحاد الأفريقي ولجان دولية معنية بالقضايا الكبرى، ما يعكس قدرتها على استعادة دور مؤثر في المنتظم الدولي وصنع القرار.
السياسة الخارجية المصرية اتسمت أيضًا بالبعد الاقتصادي والتنموي، حيث عززت التعاون التجاري والاستثماري مع شركاء عالميين وإقليميين، وربطت الدبلوماسية بالفرص الاستثمارية التي تخدم الاقتصاد الوطني وتوسع العلاقات الاقتصادية، ما يعكس إدراكًا بأن القوة الناعمة تقاس بالمنفعة المتبادلة في العلاقات الدولية. كما نجحت مصر في بناء شبكة علاقات دولية متوازنة مع القوى العالمية، دون الانحياز لطرف على حساب آخر، واستثمرت هذه العلاقات لتعزيز مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، من خلال اتفاقيات تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات العسكرية والمشاريع الاقتصادية.
في مواجهة التشويه الإعلامي ومحاولات النفوذ المضاد، أوضحت وزارة الخارجية الدور الحقيقي لمصر في إدخال الإغاثة ووقف إطلاق النار ودعم المدنيين وخطط إعادة الإعمار، مؤكدة أن هذا النهج يخدم المصلحة الإنسانية والاستقرار، ويخالف الادعاءات السطحية. تعكس هذه الإجراءات قدرة السياسة الخارجية المصرية على تحويل التحديات إلى فرص لبناء فهم أوسع لدور مصر في المنطقة، عبر أهداف استراتيجية واضحة ومبادئ ثابتة في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية.
ختامًا.. نجحت السياسة الخارجية المصرية بعد 30 يونيو في إدارة الأزمات وتعزيز الدور المصري دوليًا، وتصحيح الصورة الذهنية عن مصر من خلال مواقف واضحة وأدوات دبلوماسية متعددة وانخراط إيجابي في القضايا الإنسانية والسياسية، مما وضع القاهرة في موقع فاعل رئيسي في صنع التوازن والأمن الإقليمي والدولي




















العدد الجديد من جريدة الميدان «1027»
العدد الجديد من جريدة الميدان «1022»
غدًا العدد الجديد من «جريدة الميدان» في الأسواق
العدد الجديد من جريدة الميدان «983»
الكاتب الصحفي سيد دويدار ينعى والدة آل السيسي
الميدان تنعى ببالغ الحزن الحاج نور أبوسمرة المعداوي وتتقدم بخالص العزاء لأسرة...
الميدان ينعي ببالغ الحزن عائلتي مرجان وأبو غانم في وفاة والده الأستاذ...
بالتفاصيل...طعن على الانتخابات البرلمانيه ٢٠٢٥ امام المحكمه الادارية العليا