العريان رمز الإيثار والتضحية
د. محمد محمود
كلاً منا يبحث عن مكانة عظيمة وشأن رفيع وسعادة دائمة ورزقاً وفيراً وعزاً وفخراً وصحة وعافية ، ومن أجل كل هذا ربما يدخل في صراعات وعداءات وحروب ضروس من أجل سلطة او منصباً اوأموالاً ، تلك طبيعة البشر (الأنانية وحب الذات)، ولكن هناك رجال ضربوا أروع الأمثلة في الإيثار والفداء والتضحية بأموالهم وأرواحهم بكل شجاعة وعزة ، لا يهابون الموت ويتطلعون الي الشهادة في سبيل الله دفاعاً عن تراب وطنهم وسلامة أراضيه وآمنه القومي ، كتبوا بدمائهم سجل ضخم من البطولات والتضحيات ليبقي الوطن شامخاً بعزة وكبرياء ، يتغني بقصصهم وحكاياتهم الأجيال وتبعث في النفوس الحماس والتضحية والشهادة ، والجائزة الكبري ان الله عزوجل بشرهم بالخلود في الجنة ونعيمها في مكانة لم تكتب لسواهم ، قال الله تعالي ((لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )).
ويبين النبي صلي الله عليه وسلم فضل الشهيد في قوله :" للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه ".
وفي الوقت الذي يسعي فيه الكثيرون للترقي بالوظائف الادارية والقيادية ، يسعي بعض الرجال البواسل للدفاع عن أرض الوطن بأرواحهم ودمائهم الطاهرة ، من بين هؤلاء الأبطال العظماء العميد أركان حرب/ خالد أحمد علاء الدين العريان شهيد الواجب الوطني ، ذلك الأسطورة الحقيقية الزاهد الورع التقي النقي ، يتمتع بالشجاعة والإقدام والإخلاص وإنكار الذات ، يتصدر المداهمات والمعارك ضد الارهاب ، له صولات وجولات في الصحراء الغربية علي حدود دولة ليبيا الشقيقة في حروب ضد الإرهاب ، حصل علي العديد من الدورات والتدريبات القتالية ولكفاءته تقلد العديد من المناصب العسكرية منها قائد الفرقة 888 مكافحة الإرهاب ، حصل علي ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة من الطبقة الأولي تقديراً لأدائه واجباته بأمانة وإخلاص من الرئيس عبد الفتاح السيسي .
تربي الشهيد خالد العريان في بيت يتسم بالوطنية والإخلاص والشهامة وحب الناس وقضاء حوائجهم وإنكار الذات ، عندما كانت زوجته الدكتورة شيماء غنيم تطلب منه التدخل وإستخدام سلطته وعلاقاته لإنهاء مصلحة شخصية يرفض لدرجة أنها كانت تعتقد انه ليس له علاقات ولا يتمتع بمكانة مرموقة في الجيش المصري ، تقوله انت متأكد انك ضابط وكده ، فيقول مداعبا لها " هتعرفي أنا مين بعد ما أموت " ولكن عندما يطلب أي شخص غريب طلب يسعي لخدمته بكل طاقته ، تروي زوجته أنه تم نقله شمال سيناء قبل استشهاده بـ 50 يوماً لم يخبر والديه بنقله حرصاً علي خوفهم وقلقهم الشديد عليه ، وعندما طلبت منه زوجته النقل من سيناء لأي مكان أمان ، قال لها " يارب أبقي في سيناء ، هو فيه حد يطول يموت هناك".
رزق الشهيد خالد العريان ببنتين وكثيراً ما تضرع لله أن يرزقه ولداً صالحاً ، فرزقه الله طفلاً جميلاً سماه أحمد منذ ستة أشهر ، يقول لأحد اصدقائه " ما تمنيت شيئاً الا واعطني الله أياه ، طلبت الولد فرزقني إياه ، وطلبت الشهادة في سبيله فلم يستجب لي رغم أنني في كل حروبي ضد الإرهاب في الصحراء الغربية صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر ، اخشي ان يكون غضب من الله ، فتم نقله الي سيناء وكان من المقرر ان تكون أجازته السبت الماضي ، إلا أن إرادة الله قد حالت دون نزوله الاجازة بسبب ظروف لزميله ، لأن الله قد قبل دعائه وأختاره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، فيستشهد بطلقة من إرهابي خائن خسيس "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" لسان حاله يقول لوالديه واشقائه وزوجته واولاده " لا تحزنوا ولا تبكوا فأنا حياً عند ربي فرحاً مستبشرا، أتمني أن أعود إلي الدنيا فأقتل عشر مرات لما أري من كرامة "، رحم الله الشهيد واسكنه فسيح جناته وألهم اهله الصبر والسلوان.