الدكتورة نرمين فهيم تكتب: التكامل بين الاقتصاد البنفسجي والأخضر في مصر

في ظل التحولات الاقتصادية والبيئية والثقافية التي يشهدها العالم المعاصر، أصبح مفهوم التنمية المتكاملة ضرورة استراتيجية تهدف إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة والحفاظ على الهوية الثقافية. ولم يعد من الممكن فصل التنمية الاقتصادية عن البعد الثقافي أو البيئي، إذ إن استدامة النمو تعتمد على قدرة الدولة على دمج الإبداع والمعرفة في منظومة إنتاجية تراعي البيئة وتدعم جودة الحياة. ومن هنا تبرز أهمية الاقتصاد البنفسجي، الذي يُعرف بأنه الاقتصاد القائم على الثقافة والإبداع والهوية الجمالية، والاقتصاد الأخضر، الذي يركز على حماية البيئة وتقليل الانبعاثات وتحقيق كفاءة الموارد.

وتسعى مصر، في إطار رؤية مصر 2030، إلى تحقيق نموذج تنموي شامل يجمع بين الاستدامة البيئية والتنمية الثقافية. ويأتي التكامل بين الاقتصاد البنفسجي والاقتصاد الأخضر كأحد المسارات الواعدة لتعزيز مكانة مصر في الاقتصاد العالمي من خلال استثمار مواردها الثقافية والطبيعية والبيئية في وقت واحد.

أولاً: ماهية الاقتصاد البنفسجي

1. تعريف الاقتصاد البنفسجي

ظهر مصطلح الاقتصاد البنفسجي (Purple Economy) في فرنسا عام 2011 من خلال تقرير للمفوضية الفرنسية للتنمية المستدامة، حيث عرّف بأنه:

“مجموعة الأنشطة الاقتصادية التي تدمج الثقافة والإبداع والهوية الجمالية ضمن العملية الاقتصادية لتوليد قيمة مضافة ذات بعد إنساني واستدامة اجتماعية.”
(UNESCO, 2013)

ويتميز الاقتصاد البنفسجي بكونه اقتصادًا قائمًا على المعرفة والإبداع، يسعى إلى دمج الفن، الثقافة، التراث، والابتكار ضمن سياسات التنمية. وهو لا يقتصر على الصناعات الثقافية التقليدية (مثل السينما والفنون)، بل يمتد ليشمل التصميم، السياحة الثقافية، التراث المعماري، والحرف اليدوية.

2. ركائز الاقتصاد البنفسجي

• القيمة الثقافية: تحويل الثقافة إلى مورد اقتصادي قابل للاستثمار.
• الهوية والتميز: دعم الإنتاج المحلي المعبر عن هوية المجتمع.
• الابتكار: تشجيع البحث والإبداع في التصميم والفنون.
• الاستدامة الاجتماعية: تعزيز الشعور بالانتماء والعدالة الثقافية.

3. الاقتصاد البنفسجي في التجارب الدولية

• فرنسا: تُعد رائدة في تطبيق الاقتصاد البنفسجي عبر دمج الثقافة في سياسات التنمية الإقليمية ودعم الصناعات الإبداعية (الموضة، السينما، التصميم).
• كوريا الجنوبية: اعتمدت نموذج “الاقتصاد الثقافي” عبر تصدير الثقافة الشعبية (K-pop، السينما الكورية)، مما ساهم في تحقيق ناتج اقتصادي ضخم تجاوز 12 مليار دولار سنويًا.
• المغرب: أطلقت الحكومة المغربية برنامج “المدن الإبداعية” لتعزيز السياحة الثقافية والحرف التقليدية كمصدر دخل مستدام.

ثانيًا: الاقتصاد الأخضر وأهميته لمصر

1. تعريف الاقتصاد الأخضر

وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP, 2018)، يُعرّف الاقتصاد الأخضر بأنه:

“اقتصاد يحقق النمو في الدخل والوظائف من خلال استثمارات تقلل من الانبعاثات الكربونية، وتزيد من كفاءة الموارد، وتحافظ على التنوع البيولوجي.”

ويمثل الاقتصاد الأخضر التحول من نموذج “الاستهلاك المفرط” إلى نموذج “الاستهلاك المستدام”، عبر مشروعات الطاقة النظيفة، الإدارة المستدامة للمياه، الزراعة البيئية، وإعادة التدوير.

2. مكونات الاقتصاد الأخضر

• الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح).
• النقل المستدام.
• الإدارة المتكاملة للمياه والنفايات.
• المدن الخضراء.
• الزراعة المستدامة.

3. سياسات مصر في الاقتصاد الأخضر

• مشروع بنبان للطاقة الشمسية بأسوان: أحد أكبر مشاريع الطاقة المتجددة في العالم بقدرة 1.8 جيجاوات.
• محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر: أكبر محطة معالجة مياه في العالم، تسهم في استصلاح الأراضي وتحسين الأمن الغذائي.
• مشروع النقل المستدام (القطار الكهربائي الخفيف): يقلل من الانبعاثات ويحسن كفاءة التنقل.

هذه المشروعات تعكس التزام مصر بتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وخاصة الهدف السابع (الطاقة النظيفة)، والهدف الثالث عشر (العمل المناخي).

ثالثًا: التكامل بين الاقتصاد البنفسجي والاقتصاد الأخضر

1. المفهوم

يعني التكامل بين الاقتصاد البنفسجي والأخضر الجمع بين الثقافة والإبداع من جهة، وحماية البيئة من جهة أخرى، في إطار نموذج تنموي واحد.
فالثقافة يمكن أن تكون محركًا للاقتصاد الأخضر، من خلال تعزيز الوعي البيئي، وتغيير سلوكيات الاستهلاك، وتشجيع الصناعات المستدامة ذات البعد الثقافي.

2. أوجه التكامل

البعد	الاقتصاد البنفسجي	الاقتصاد الأخضر	التكامل
الهدف الأساسي	تنمية الإبداع والهوية الثقافية	حماية البيئة وتحقيق الكفاءة البيئية	التنمية المستدامة المتكاملة
الأدوات	التعليم، الفنون، التراث	التكنولوجيا، الطاقة المتجددة	الابتكار الأخضر الثقافي
النتائج المتوقعة	ازدهار ثقافي واقتصادي	نمو مستدام وتقليل الانبعاثات	تعزيز جودة الحياة وتحقيق النمو الشامل

3. في السياق المصري

• السياحة البيئية الثقافية: الدمج بين التراث الثقافي والمناطق البيئية (مثل واحة سيوة والأقصر).
• الحرف التراثية المستدامة: تطوير الصناعات اليدوية باستخدام مواد صديقة للبيئة.
• التصميم المستدام: توظيف الفنون والتكنولوجيا في تخطيط المدن الخضراء (العلمين الجديدة نموذجًا).
• الاقتصاد الإبداعي الرقمي: تعزيز المحتوى الثقافي الرقمي الذي يروج للسلوك البيئي المستدام.

رابعًا: رؤية استراتيجية لتفعيل الاقتصاد البنفسجي في الدول العربية

1. إنشاء مجالس وطنية للاقتصاد البنفسجي: تضم وزارات الثقافة، البيئة، والاقتصاد لتوحيد الرؤى.
2. دعم الصناعات الإبداعية الخضراء: مثل تصميم المنتجات المستدامة أو المعارض البيئية الفنية.
3. تضمين الثقافة البيئية في المناهج التعليمية: لنشر الوعي بالمسؤولية البيئية.
4. تشجيع التمويل الأخضر للمشروعات الثقافية: عبر صناديق تمويل خاصة بالتنمية المستدامة الثقافية.
5. التعاون الإقليمي: من خلال جامعة الدول العربية لتبادل التجارب الناجحة (مثل تجربة المغرب وفرنسا).

خامسًا: التجارب المقارنة الدولية

1. فرنسا:

• تُعد نموذجًا رائدًا في دمج الثقافة بالاقتصاد المستدام من خلال برنامج “L’économie de la Culture”.
• دمجت الثقافة في الاستراتيجيات البيئية لتقليل النفايات ودعم التصميم الأخضر.
• ساهمت الصناعات الثقافية في خلق أكثر من 2.5 مليون وظيفة بحلول 2022.

2. كوريا الجنوبية:

• اعتمدت “سياسات الاقتصاد الإبداعي” التي تربط التكنولوجيا بالثقافة.
• ساهمت الصناعات الإبداعية (السينما والموسيقى) في زيادة الناتج المحلي بنسبة 5%.
• شجعت على “المدن الذكية المستدامة” التي تراعي الجمال والبيئة.

3. المغرب:

• أطلقت استراتيجية الاقتصاد البنفسجي ضمن رؤية 2030 للتنمية المستدامة.
• ربطت الحرف التراثية بالسياحة البيئية لتوفير فرص عمل مستدامة.
• اعتمدت نموذج “المدن الإبداعية” مثل فاس ومراكش.

سادسًا: السياسات المقترحة لتفعيل التكامل في مصر

1. إدماج الثقافة في سياسات الاقتصاد الأخضر: بحيث تشمل الخطط البيئية بُعدًا ثقافيًا يعزز الهوية المصرية.
2. إنشاء مراكز وطنية للابتكار الثقافي المستدام: تدعم الأبحاث في مجالات التصميم الأخضر والفن البيئي.
3. تحفيز القطاع الخاص: من خلال إعفاءات ضريبية للمشروعات التي تجمع بين الثقافة والاستدامة.
4. التوسع في التعليم الفني المستدام: لتأهيل جيل جديد من الحرفيين والمصممين الصديقين للبيئة.
5. التعاون الدولي: مع منظمات مثل UNESCO وUNDP لتبادل الخبرات وتمويل المشروعات.

سابعًا: التحديات التي تواجه تطبيق التكامل في مصر

1. نقص الوعي المؤسسي: عدم فهم كافٍ لمفهوم الاقتصاد البنفسجي ضمن السياسات العامة.
2. ضعف التمويل: غياب آليات تمويل مستدام للمشروعات الثقافية الخضراء.
3. نقص البيانات الإحصائية: عدم وجود مؤشرات دقيقة لقياس مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة.
4. الفجوة التشريعية: الحاجة إلى قوانين تنظم الصناعات الإبداعية ضمن الاقتصاد المستدام.
5. ضعف التعاون بين الجهات الحكومية: مما يؤدي إلى ازدواجية في التنفيذ وتداخل الأدوار.

ثامنًا: النتائج المتوقعة:-

• تعزيز البحوث متعددة التخصصات بين الاقتصاد، البيئة، والثقافة.
• تطوير مؤشرات قياس الأداء الثقافي البيئي.
• توفير قاعدة معرفية لصنّاع القرار لتوجيه الاستثمارات نحو مشروعات الثقافة المستدامة.
• إسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الأممية (SDGs) خاصة الهدفين 8 (العمل اللائق والنمو الاقتصادي) و13 (العمل المناخي).

الخاتمة

يمثل التكامل بين الاقتصاد البنفسجي والاقتصاد الأخضر في مصر فرصة استراتيجية لتحقيق التنمية المتكاملة، إذ يجمع بين البعد الثقافي الذي يعزز الهوية الوطنية والإبداع، والبعد البيئي الذي يضمن استدامة الموارد للأجيال القادمة. ويُعدّ الاستثمار في الثقافة الخضراء والابتكار المستدام من أهم محركات التحول نحو اقتصاد معرفي صديق للبيئة يعزز من مكانة مصر الإقليمية والدولية.

إن نجاح هذا التكامل يتطلب رؤية وطنية موحدة تتعاون فيها الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديميون، لتأسيس اقتصاد مصري يعتمد على الثقافة، الابتكار، والوعي البيئي كأسس للنمو المستدام. ومن خلال تبني هذا النهج، يمكن لمصر أن تصبح نموذجًا عربيًا رائدًا في تطبيق سياسات التنمية المستدامة الشاملة.

المراجع

1. UNEP (2018). Green Economy and Sustainable Development. United Nations Environment Programme.
2. UNESCO (2013). The Purple Economy: Integrating Culture into Sustainable Development. Paris: UNESCO Publishing.
3. Ministry of Planning, Egypt (2023). Egypt Vision 2030 – Sustainable Development Strategy. Cairo.
4. OECD (2022). Cultural and Creative Sectors and Sustainable Growth. Paris.
5. El-Hamamsy, S. (2024). Cultural Sustainability in Egypt: Pathways to Inclusive Growth. Journal of Arab Development Studies.
6. World Bank (2021). Egypt’s Green Economy Transition Report. Washington D.C.
7. United Nations (2020). SDG Indicators for the Arab Region. New York.