فكروا قبل ما تقرروا.. الطلاق ليس قدَرًا
بقلم: طه المكاوي
لم يعد الحديث عن الطلاق ترفًا اجتماعيًا أو قضية هامشية، بل صار واقعًا صادمًا يفرض نفسه على كل بيت في مصر. الأرقام ترتفع، والإحصاءات تضع مصر في صدارة الدول العربية من حيث معدلات الانفصال. وهنا تبرز مبادرة المنتدى الاستراتيجي للتنمية بعنوان "فكروا قبل ما تقرروا" لتفتح باب النقاش حول جذور الأزمة وسبل معالجتها.
بين الفقر والترف.. الزواج في مرمى الأزمات
من اللافت أن أسباب الطلاق لم تعد قاصرة على شريحة معينة، فكما أشار الدكتور علاء رزق، فإن انخفاض الدخل والبطالة يضاعفان الخلافات في البيوت الفقيرة، بينما التدهور القيمي وانهيار الطبقة الوسطى جعلا الطلاق ظاهرة لا تفرق بين غني وفقير. المشكلة إذن ليست في "كم المال"، بل في غياب الرؤية المجتمعية التي تحصّن الأسرة ضد الانهيار.
الإعلام والدراما.. متهم على مقاعد الاتهام
أتفق مع المستشار محمد شيرين فهمي في تحميل الإعلام جزءًا كبيرًا من المسؤولية؛ فالدراما تقدم الزواج على أنه ساحة صراع، والخيانة وسيلة هروب، والعنف لغة يومية، بينما تغيب الصورة الحقيقية للحب والمودة والرحمة. إننا أمام إعلام يرسّخ صورة مشوهة تدفع الشباب لليأس من التجربة قبل أن يبدأوها أصلًا
الأدب يقدّم حلولًا حيث تعجز القوانين
أدهشني طرح الروائية منى زكي حين اعتبرت الطلاق أحيانًا نقطة تحول إيجابية، فقدّمت في رواياتها شخصيات نسائية قادرة على النهوض من تحت الركام. الأدب هنا لا يجمّل الواقع، بل يمنح القارئ أفقًا آخر: أن الطلاق ليس نهاية، بل قد يكون بداية جديدة أكثر وعيًا ونضجًا. هذه الرؤية ربما تعادل أثر عشرات القوانين الجافة التي لا تعالج جرحًا نفسيًا ولا تصلح علاقة إنسانية.
التكنولوجيا.. بين الوصل والفصل
لم تعد وسائل التواصل مجرد تطبيقات عابرة، بل صارت طرفًا أصيلًا في كل خلاف زوجي. كما قالت الإعلامية هند الصنعاني، فإن المقارنات اليومية مع حياة الآخرين تولّد شعورًا بالنقص والملل. وهنا يظهر السؤال الجوهري: هل نستخدم التكنولوجيا لتقريب القلوب أم لزرع الفجوات بينها؟
نحو ثقافة أسرية جديدة
الخلاصة أن الطلاق ليس مجرد حكم قضائي أو ورقة في المحكمة، بل نتيجة طبيعية لتربية ناقصة، وتعليم غائب، وإعلام مشوّه، واقتصاد مضطرب.
الحل لا يكمن في "إلقاء اللوم" على طرف دون الآخر، وإنما في بناء ثقافة أسرية جديدة تبدأ من المدرسة، وتمر بالدراما والإعلام، وتنتهي عند الأسرة نفسها.
ومبادرة "فكروا قبل ما تقرروا" ليست مجرد شعار، بل دعوة صريحة لأن نعيد النظر في كل ما نزرعه في وعي الشباب عن الحب والزواج والطلاق. فإذا أصلحنا الأسرة صلح المجتمع، وإذا انهارت، انهارت معه كل محاولات الإصلاح الأخرى.
توصياتي للحد من الطلاق
1️⃣ إدماج التربية الأسرية في المناهج الدراسية لتعليم مهارات الحوار وتحمل المسؤولية منذ الصغر.
2️⃣ إطلاق برامج تأهيلية للمقبلين على الزواج تشمل الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
3️⃣ توظيف الإعلام والدراما في تقديم صورة متوازنة عن الأسرة، تعكس المودة والرحمة بدلًا من الصراع والتشويه.