فاتن فتحي تكتب : التمريض المنزلي ورعاية المسنين.. قطاع صاعد عالميا في مواجهة أزمات محلية خانقة

فاتن فتحي تكتب : التمريض المنزلي ورعاية المسنين.. قطاع صاعد عالميا في مواجهة أزمات محلية خانقة
يشهد قطاع التمريض المنزلي ورعاية المسنين تحولًا استراتيجيًا في العالم العربي مدفوعًا بارتفاع متوسط الأعمار وتزايد الأمراض المزمنة، إذ تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد المسنين فوق 60 عامًا عالميًا سيرتفع من مليار شخص في 2020 إلى 2.1 مليار في 2050، بزيادة تفوق 110%. وعلى المستوى الإقليمي، سترتفع نسبة كبار السن في مصر من 6.9% إلى 16%، وفي السعودية من 5% إلى 18%، وفي الإمارات إلى نحو 23%، بينما تصل في الأردن إلى 15% وفي المغرب إلى قرابة 17% خلال الفترة نفسها، وهو ما يشكل ضغوطًا مباشرة على النظم الصحية ويجعل الرعاية المنزلية خيارًا متناميًا لكنه محفوف بالتحديات.
العجز في الكوادر المؤهلة يبقى التحدي الأكبر، حيث يسجل العالم عجزًا بأكثر من 6 ملايين ممرض وممرضة مرشح للارتفاع إلى 10 ملايين في 2030. عربيًا، يتضح التفاوت بحدة: فمصر تضم نحو 220 ألف ممرض مقابل احتياج يقارب 400 ألف، والسعودية لا يتجاوز نصيب الممرضين السعوديين 37% من إجمالي الكوادر، فيما تعاني الإمارات فجوة تقارب 15% رغم ارتفاع الإنفاق الصحي للفرد. أما الأردن، فيضم نحو 35 ألف ممرض يعمل أكثر من ربعهم خارج البلاد نتيجة الهجرة، بينما تكشف وزارة الصحة المغربية أن لديها 35 ألف ممرض فقط مقابل حاجة لا تقل عن 65 ألف، أي بعجز يتجاوز 45%. وتزيد الصورة صعوبة مع الضغط النفسي، إذ يعاني نحو 40% من الممارسين في المنطقة أعراض القلق والاكتئاب، فيما ترتفع نسب التسرب المهني إلى 10–12% سنويًا.
الصحة العامة بدورها تزيد من العبء، حيث تعاني مصر والسعودية من معدلات مرتفعة للسكري (19% و20% على التوالي) وارتفاع ضغط الدم (27% و29%)، فيما تسجل الإمارات واحدة من أعلى نسب السكري عالميًا عند 16.4%. الأردن يسجل معدلًا يقارب 18%، والمغرب نحو 12%، ما يجعل التمريض المنزلي أمام تحديات تخصصية معقدة.
الفجوة التقنية تظل بارزة، حيث تعتمد 65% من الأسر المصرية على أدوات بدائية، مقابل 50% في السعودية و40% في الإمارات. أما في الأردن فالنسبة تقترب من 60%، وفي المغرب تتجاوز 70% مع ضعف إدماج الأجهزة الذكية. هذه الفجوة تجعل ما بين 30 و35% من الحالات عرضة لمضاعفات يمكن تجنبها بالمتابعة الرقمية. أما العدوى، فبينما يبلغ المتوسط العالمي 7–10% من المرضى في الرعاية طويلة الأمد، تسجل مصر 14%، والسعودية 11%، والإمارات 9%، فيما تصل النسبة في الأردن إلى 13%، وفي المغرب 15% مع ضعف تطبيق بروتوكولات الوقاية.
اقتصاديًا، تعكس التكلفة تفاوتًا بين الدول. ففي مصر تتراوح بين 3,000 و7,000 جنيه شهريًا (15–35% من متوسط دخل الأسرة)، وفي السعودية بين 1,200 و1,500 دولار (20% من دخل الأسرة)، وفي الإمارات نحو 2,000 دولار لكنها مغطاة جزئيًا بالتأمين. أما الأردن فتتراوح بين 600 و1,000 دولار شهريًا، في حين تبقى في المغرب أقل نسبيًا (300–500 دولار) لكنها تشكل عبئًا أكبر على الأسر نظرًا لانخفاض متوسط الدخل. وتشير دراسات خليجية إلى أن 35% من الأسر السعودية تلجأ للاستدانة لتغطية النفقات، بينما ارتفع الاعتماد على الرعاية المنزلية في الإمارات بنسبة 42% خلال خمس سنوات.
الحلول المتبناة عربيًا تعكس تفاوت السياسات. فالسعودية أطلقت برنامج "تمريض 2030" لتخريج 100 ألف ممرض إضافي، ومصر دشنت مبادرة لتدريب 10 آلاف سنويًا في الرعاية المنزلية. الإمارات تتبنى بقوة إدماج التطبيقات الذكية، حيث خفضت المضاعفات بنسبة 20% وزادت رضا المرضى بنسبة 30%. الأردن أطلق برامج تدريب بالشراكة مع منظمات دولية، لكنه يعاني نزيف هجرة الكفاءات، بينما المغرب بدأ تجارب تجريبية للرعاية المنزلية عبر الجمعيات الأهلية لكن دون إطار تشريعي واضح. أما في مكافحة العدوى، فقد تبنت السعودية والإمارات بروتوكولات صارمة بعد الجائحة، بينما ما زالت مصر والأردن والمغرب تواجه تحديات في تعميم معايير الوقاية.
في المحصلة، فإن مستقبل قطاع التمريض المنزلي في المنطقة العربية مرهون بقدرة الدول على الموازنة بين الموارد المحدودة والاحتياجات المتزايدة. فبينما تتحرك السعودية والإمارات بخطوات أسرع عبر استراتيجيات تمويل ودعم حكومي، تواجه مصر والأردن والمغرب أعباء مضاعفة نتيجة الفجوة بين الكوادر المتاحة والطلب المتزايد. دمج التكنولوجيا، وإصلاح بيئة العمل، وتوسيع مظلة التأمين الصحي، وإصدار تشريعات واضحة يمكن أن يرفع كفاءة القطاع بأكثر من 35% خلال العقد المقبل، ويضمن الحفاظ على كرامة كبار السن والمرضى المزمنين، وتحويل الرعاية المنزلية إلى ركيزة رئيسية في المنظومة الصحية العربية بدلًا من أن تظل مجرد خيار اضطراري.