مقبرة الملك تحتمس الثالث، المعروف باسم "نابليون مصر"، ليست مجرد مكان للدفن، بل هي متحف تحت الأرض يحكي قصة رحلة الملك إلى العالم الآخر. تقع المقبرة في وادي الملوك بالأقصر، وهي فريدة من نوعها بتصميمها وأسلوبها الذي يختلف عن معظم مقابر الأسرة الثامنة عشرة.
تصميم استثنائي ومخطط فريد
ما يميز مقبرة تحتمس الثالث (مقبرة 34) هو تصميمها البسيط والمبتكر. تبدأ بممر طويل ومنحدر ينتهي بسلالم حادة تؤدي إلى غرفة كبيرة ذات شكل بيضاوي، وهي الغرفة التي تحتضن التابوت الجرانيتي للملك. على عكس المقابر الأخرى التي تعتمد على نقوش بارزة ومنحوتات معقدة، تزين جدران مقبرة تحتمس الثالث رسوم بسيطة لكنها غنية بالمعنى.
كتاب "الأمدوات" ورسومه الغامضة
الجدران داخل المقبرة مغطاة برسوم من كتاب "الأمدوات"، وهو أحد أهم النصوص الجنائزية المصرية القديمة. كلمة "الأمدوات" تعني "ما هو موجود في العالم السفلي"، ويصف الكتاب رحلة إله الشمس "رع" عبر 12 ساعة من الليل، حيث يواجه العقبات ويصارع الأعداء قبل أن يولد من جديد في الصباح.
الرسوم في المقبرة ليست مجرد زخارف، بل هي خريطة تفصيلية لهذه الرحلة. تظهر على الجدران شخصيات وأساطير من العالم الآخر، مرسومة بأسلوب بسيط يذكرنا بالرسوم السريعة على ورق البردي. حتى أنك تجد أسماء الآلهة مكتوبة داخل أشكال بيضاوية أو مستطيلة، مما يسهل على روح الملك التعرف عليها والمضي في طريقه.
الكشف عن المقبرة وحالة المومياء
اكتشف المقبرة فيكتور لوريت عام 1898. وعلى الرغم من تعرضها للنهب في العصور القديمة، إلا أن معظم محتوياتها الجدارية بقيت سليمة. أما مومياء الملك تحتمس الثالث، فقد عُثر عليها في خبيئة الدير البحري عام 1881، وهي محفوظة الآن في المتحف المصري الكبير.
زيارة مقبرة تحتمس الثالث هي تجربة فريدة، فهي لا تعرض فقط فنون العمارة المصرية القديمة، بل تأخذك في رحلة روحية وفلسفية عميقة لفهم نظرة المصريين القدماء للحياة والموت والخلود.