يُعد باب زويلة واحدًا من أبرز المعالم الأثرية والتاريخية في قلب القاهرة الفاطمية، وشاهدًا حيًا على عصور مختلفة مرت بها العاصمة المصرية. ليس مجرد بناء حجري قديم، بل هو بوابة تحكي قصصًا عن حكام، وثورات، وحياة يومية صاخبة، مما يجعله قطعة لا تقدر بثمن من تاريخ القاهرة الحافل.
تاريخ عريق ونشأة فاطمية
بُني باب زويلة في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، وتحديدًا عام 1092م، ضمن السور الثاني الذي بناه القائد الفاطمي بدر الجمالي لتعزيز تحصينات القاهرة وحمايتها من الأخطار الخارجية. وقد سُمي بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة زويلة البربرية التي جاءت مع الفاطميين من المغرب واستقرت بالقرب منه. يعتبر الباب تحفة معمارية فاطمية بامتياز، حيث يظهر فيه الإتقان الهندسي والقوة الدفاعية التي كانت تميز العمارة في تلك الحقبة. يتميز الباب بضخامته وأبراجه الدائرية التي تعلوها شرفات، مما يمنحه مظهرًا مهيبًا.
موقع استراتيجي وأهمية تاريخية
يقع باب زويلة في نهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي، الشريان الرئيسي للقاهرة القديمة، مما يجعله نقطة وصل حيوية بين الجزء الشمالي والجنوبي للمدينة. على مر العصور، لم يكن الباب مجرد مدخل ومخرج للمدينة، بل كان مركزًا للعديد من الأحداث التاريخية الهامة. فمن فوق أبراجه، كانت تُعلق رؤوس قادة المماليك بعد هزائمهم، وشهد ساحته احتفالات النصر واجتماعات الشعب، كما كان ممرًا لمواكب السلاطين والأمراء. ويُذكر أن منه عبرت قوات المغول إلى القاهرة، ومنه أيضًا انطلقت المقاومة الشعبية ضد الغزاة.
فن العمارة الإسلامية
يعكس باب زويلة تطور العمارة الإسلامية في مصر، خاصة في العصر الفاطمي. يتكون الباب من برجين ضخمين مستديرين، يربط بينهما ممر علوي، وتزين جدرانه نقوش وزخارف بسيطة ولكنها معبرة. وقد أضيفت إليه فيما بعد مئذنتان في العصر المملوكي، وهما مئذنتا جامع المؤيد شيخ الذي يقع بجواره، مما أضاف إليه بعدًا جماليًا جديدًا وجعله أيقونة معمارية تجمع بين طرازين مختلفين.
باب زويلة اليوم: نافذة على الماضي
اليوم، يقف باب زويلة شامخًا في قلب القاهرة الفاطمية، محاطًا بالأسواق الشعبية والمساجد الأثرية. إنه ليس مجرد معلم سياحي، بل هو جزء حيوي من نسيج المدينة، يشهد على استمرارية الحياة وتناغم الماضي والحاضر. يمكن للزوار الصعود إلى أعلى الباب والاستمتاع بمنظر بانورامي ساحر للقاهرة القديمة، والشعور وكأنهم يعودون بالزمن إلى عصور مضت.
باب زويلة هو أكثر من مجرد معلم أثري؛ إنه رمز للصمود والتاريخ، وجسر يربط بين الأجيال، ويذكرنا بعظمة الحضارة المصرية وتراثها الخالد. زيارة هذا الباب هي رحلة لا تُنسى إلى قلب القاهرة القديمة، حيث تتجسد القصص والأساطير في كل حجر من حجارته.