تعد نسيان الإساءة درجة من درجات التسامح والعفو عن المسيئين، فمن يحاول تذكر الإساءة بتفاصيلها وألوانها وميعادها لم يعف ويسامح في حقيقة أمره عمَن أساء له، وحاله أنه يعيش عيشة المترصد لمن ادعى أنه سامحه.
ولهذا يسعد هؤلاء في وقوع غيرهم في كثير من الأخطاء، ويتلذذون في التشهير بهم، ويتمتعون في الحديث عنهم، وكأنهم وجدوا ضالتهم أو سبيلهم لتصفية حساباتهم.
إنّ التسامح خلقٌ رفيع، ولكنّ الأهم منه القدرة على غلق صفحات الإساءة نهائياً، فالأجدر والأليق بالإنسان حينما يسامح غيره أن يغلق هذه الصفحة، ويبدأ في تعاملاته صفحة جديدة، بحيث يكون واضحاً في كلامه، ظاهراً في أسلوبه، فإذا عفا وسامح ترتب على ذلك السكوت عن جميع الأخطاء، وعدم الترصد للمسيئين، و حينها تظهر صفات الشهامة والرجولة في التعامل.
إن عدم نسيان الإساءة وتذكرها يوماً بعد يوم، وإضمار ذلك يشعر النفوس بالمرارة، فيتجدد عندها الغضب، ويتذكر مصدر الإساءة مما يجعل الحياة ساحة للحرب والمعارك، وينتظر الأفراد سقوط الآخرين، ووقوعهم في الأخطاء.
تساعد عملية نسيان الإساءة وطي صفحتها للأبد على تناقص شعور الرغبة في الانتقام، وانعدام سيطرة إحساس الحقد على الآخرين، والتي دائماً تدخلك إذا سيطرت عليك في دائرةٍ لا تنتهي معها من أعمال المكر والخداع، وعدم شعورك براحة نفسية وطمأنينة بال.
ولا تعني الدعوة للتسامح ونسيان الإساءة أن يكون الفرد مغفلاً، وضعيفاً واهياً؛ لأن بعض المواقف تحتاج شدة في التعامل، وحزماً في الرأي، وتغيراً في ملامح الوجه، وصلابة في الطرح والنقد.
إن الأشخاص الذين يريدون العيش في حياتهم بسلام وهدوء بال فلابد من تغليب جانب التسامح مع نسيان الإساءة من قاموس حياتهم مع التأكيد أن نسيانها هي مصلحتهم في الأول والأخير.
وأما حال هؤلاء المخادعين ممن يدعون العفو والتسامح بألسنتهم دون قلوبهم، ويرفعون شعار (قلوبنا لا تحمل شيئاً) فأفضل أحوالك أن تدعهم، وتتركهم للأيام، وهي كفيلة بإعلامهم.
ويكفي في أمرهم أنهم يؤذون أنفسهم بأنفسهم، فبينما الكل منشغلٌ بما ينفعهم ويرفع ذكرهم من عبادة صالحة أو علم نافع أو إصلاح للنفس نجد هؤلاء مشغولين بأحوال غيرهم ومتابعة أدق تفاصيلهم.
هذه النوعية من الناس لا أكون مبالغاً حين أقول إن لم يجدوا أحداً ينشغلون به، فسينشغلون بأقرب الناس منهم، فإن لم يجدوا أحداً انقلبوا على أنفسهم، وأشغلوا أنفسهم عن أنفسهم، وهو الضياعُ لهم.