بعد استعادة الباقورة والغمر.. هل يبدأ التصعيد بين الأردن وإسرائيل؟
- رمضان إبراهيمفي توقيت مفاجئ أعلن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، رسميًا أمس انتهاء العمل بالملحقين الخاصين بمنطقتي الباقورة والغمر مع إسرائيل، مع فرض السيادة الأردنية الكاملة على كل شبر منها، وهو الأمر الذي قد يفتح الباب نحو صراع طويل بين الأردن وإسرائيل.
وجاء إعلان الملك عبدالله الثاني خلال خطاب العرش، في افتتاح الدورة العادية الأخيرة لمجلس الأمة (البرلمان)، بعد تزايد الضغط الشعبي الكبير ومساهمته في إلغاء الاتفاقية، حيث يعارض أغلب الأردنيين اتفاقية السلام مع إسرائيل، وقام الجيش الأردني برفع علم بلاده في منطقة الباقورة.
وبدأت السلطات الأردنية منع الإسرائيليين من دخول أراضي الباقورة والغمر (التي يطلق عليها الإسرائيليون اسم نهارييم) أمس الأحد، بعد انتهاء عقد يسمح للمزارعين الإسرائيليين بالعمل في تلك الأراضي بعد 25 عامًا من توقيع اتفاق سلام بين البلدين، فمنذ الصباح تم إغلاق البوابة الصفراء المؤدية إلى جسر فوق النهر الذي يفصل بين الأردن وفلسطين والذي يدخل منه المزارعون الإسرائيليون إلى الباقورة.
وبحسب ملاحق اتفاقيّة السلام الموقّعة في 26 أكتوبر 1994، تمّ إعطاء حقّ التصرّف لإسرائيل بهذه الأراضي لمدة 25 عاماً، على أن يتجدّد ذلك تلقائياً في حال لم تبلغ الحكومة الأردنية الدولة العبرية برغبتها في استعادة هذه الأراضي قبل عام من انتهاء المدة، وهو ما فعلته المملكة.
والعام الماضي، قرّر الملك عبدالله استعادة أراضي الباقورة الواقعة شرق نقطة التقاء نهري الأردن واليرموك في محافظة إربد (شمال) تقدر مساحتها الاجمالية بحوالى ستة آلاف دونم، والغمر في منطقة حدودية أردنية تقع ضمن محافظة العقبة (جنوب) وتبلغ مساحتها حوالى أربعة كيلومترات مربعة من الوصاية الإسرائيلية، بعدما أنهت معاهدة وادي عربة الموقعة في 26 أكتوبر 1994 رسميًا عقودًا من حالة الحرب بين البلدين.
ولم تكتسب هذه المعاهدة شرعية شعبية في الأردن حتى اليوم، لكن في نظر الشريحة الأكبر من الأردنيين الذين يجاور بلدهم إسرائيل والأراضي الفلسطينية ويعد أكثر من نصفهم من أصل فلسطيني، لا تزال إسرائيل عدوًا.
وتعتبر الباقورة والغمر هامتين بالنسبة للأردن من حيث توافر نسب المياه الجوفية الكبيرة فيها وبالتالي توفير مصادر مياه بديلة في البلد الذي يعد واحد من بين أكثر عشر دول في العالم جفافًا.
وللمنطقتين أهمية استراتيجية فمنطقة الباقورة "تعد سلة غذاء بالنسبة لإسرائيل"، كما أنها تمثل نقطة التقاء نهر اليرموك مع نهر الأردن، ما يجعلها من أخصب المناطق الزراعية بالمنطقة، وكانت تدر أموالًا طائلة على إسرائيل، أما فيما يخص منطقة الغمر الصحراوية، فإن لها أهمية عسكرية، فهي منطقة حدودية مفتوحة.
وعلى المستوى السياسي فإن استعادة المنطقتين في هذا الوقت له بُعد معنوي هائل، إذ تزامن استعادتهما مع خطاب العرش للملك عبدالله، بالإضافة إلى تزامنه مع وجود توتر بين إسرائيل والأردن.
كما تسببت وعود أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بفرض السيادة الإسرائيلية على مناطق غور الأردن وشمال البحر الميت إذا ما أعيد انتخابه، برفع التوتر بين البلدين.
كما ساهمت حوادث عدة بتصعيد التوتر في العلاقات بين إسرائيل والأردن بدءًا من محاولة اغتيال رئيس حركة "حماس" خالد مشعل في عمان عام 1997، ثم اقتحام رئيس وزراء إسرائيل أرييل شارون للمسجد الأقصى عام 2000 واندلاع الانتفاضة الثانية.
وأدت محاولة اغتيال مشعل في عمان في عهد حكومة نتانياهو الأولى إلى أسوأ أزمة بين البلدين، ووضع الملك حسين حينها حياة مشعل في كفة ومعاهدة السلام في الكفة المقابلة، ما أنقذ حياة مشعل، إذ سلّم الإسرائيليون الأردن "المصل المضاد" للسمّ الذي سمموه به.
ويرجع تاريخ الباقورة والغمر بعدما احتلها الجيش الإسرائيلي بعد حرب 1967 أراض أردنية بينها الغمر، أما الباقورة، أو نهاريم كما يسميها الإسرائيليون، فقد احتلتها إسرائيل في عملية توغل داخل الأراضي الأردنية عام 1950.
وخلال مفاوضات السلام بين اسرائيل والأردن، وافق الأردن على إبقاء هذه الأراضي لمدة 25 سنة تحت سيطرة الإسرائيليين مع اعتراف اسرائيل بسيادة الأردن عليها، بذريعة أنهم أقاموا فيها بنى تحتية، ومنشآت زراعية.
وتهدد خطوة إلغاء العقد بإثارة أزمة بين إسرائيل والأردن، الدولة العربية الوحيدة التي ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل بعد مصر.
ويرتفع التصعيد والتوتر بين الأردن وإسرائيل بعد خروج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريحات موجهًا انتقادات حادة لمعاهدة السلام مع كل من مصر والأردن، قائلًا بأنه لا توجد مصالحة حقيقية مع البلدين العربيين على الرغم من توقيع معاهدات السلام.
وحسبما نقلت وكالة «معاً الإخبارية» الفلسطينية، عن نتنياهو، فقد قال إن «إسرائيل تساعد الأردنيين بشكل علني، في المقابل يقولون إننا نحاول السيطرة على المسجد الأقصى أو تدميره، وهو أمر خطير للغاية لسوء الحظ، هناك مصلحة أردنية لقول ذلك»، غير أنه أكد وجود تغيرات إيجابية ملحوظة خلال الخمس سنوات الأخيرة فيما يتعلق بصورة إسرائيل في الرأي العام بالدول العربية خاصة دول الخليج.
وأضاف نتنياهو في نقاش للكنيست بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لاتفاقية السلام مع الأردن «نحن نساعد الملك عبدالله بطرق سرية»، مضيفًا «هناك سلاماً مع الديمقراطيات وسلاماً مع الديكتاتوريات، من الأسهل صنع السلام مع الديمقراطيات لأن ميلها الطبيعي ليس القتال، في حين أن الديكتاتوريات تتطلب إقامة رادع أولاً، إذا لم يكن لديك رادع، فلن يكون هناك سلام مع الأردن كان الاتفاق مع السادات جرى بهذا الفهم».
وأوضح «أن هناك تعاوناً مع الأردن في الجوانب الأمنية وكذلك التجارة والمخابرات والمياه، ونحن نساعد الملك عبدالله بطرق عديدة سرية لا أعتقد أنه ينبغي عليَّ ذكر التفاصيل مع العنصر الأكثر أهمية هو الأمن المستمر والردع لتلك الدول».