”صلاح الدين الأيوبي” محرر القدس وقائد التسامح

إيهاب حبلص

يُعد صلاح الدين يوسف بن أيوب، المعروف بـصلاح الدين الأيوبي، أحد أكثر الشخصيات تأثيراً وإثارة للجدل في التاريخين الإسلامي والعالمي. لم يكن مجرد قائد عسكري فذ، بل كان رمزاً للوحدة الإسلامية، والفروسية، وسمو الأخلاق، حتى أن سِيرته لا تزال تُدرّس وتُلهم القادة حتى يومنا هذا.

صعود البطل وتوحيد الجبهة

بدأ نجم صلاح الدين بالصعود في بلاط الخلافة الفاطمية في مصر، حيث خدم تحت قيادة عمه شيركوه. لكن طموحه لم يتوقف عند مصر؛

فبعد سقوط الفاطميين عام 1171 م، أعلن قيام الدولة الأيوبية، وبدأ مشروعه الأكبر: توحيد الشام ومصر تحت راية واحدة. كان إدراكه لضرورة إنهاء التجزئة بين الإمارات الإسلامية هو المفتاح الرئيسي لمواجهة الخطر المشترك الذي مثله الصليبيون.

على مدى سنوات، عمل صلاح الدين بذكاء دبلوماسي وحنكة عسكرية، ليضم حلب والموصل وغيرها من المدن إلى سلطانه. لقد كان يرى أن معركة استرداد القدس لن تُحسم إلا بوحدة الصف، وهو درس تاريخي لا يزال صداه حاضراً.

حطين وفتح بيت المقدس

بلغ الصراع ذروته في معركة حطين عام 1187 م، وهي إحدى المعارك الفاصلة في تاريخ المنطقة. نجح صلاح الدين بعبقريته العسكرية في استدراج الجيش الصليبي إلى منطقة يسيطر عليها المسلمون، حيث أبادهم عطشاً وضرباً. كان الانتصار ساحقاً، وفتح الطريق أمامه للوصول إلى هدفه الأعظم.

بعد حطين، توجّه صلاح الدين نحو القدس، وتمكن من تحريرها بعد حصار دام عدة أيام. لم يكن فتح القدس انتصاراً عسكرياً فحسب، بل كان نقطة تحول روحي وسياسي للعالم الإسلامي.

فروسية القائد وتسامحه النادر

ربما يكون الجانب الأكثر إبهاراً في سيرة صلاح الدين هو أخلاقه وتسامحه بعد الانتصار. ففي الوقت الذي كان فيه عرف الحروب يسمح بالذبح والسبي (كما فعل الصليبيون عند دخولهم القدس عام 1099 م)، أمر صلاح الدين جنوده بالمعاملة الحسنة لسكان المدينة. سمح للمسيحيين بمغادرة المدينة بأمان أو البقاء فيها بعد دفع فدية رمزية، بل وتكفّل هو شخصياً بدفع فدية عدد كبير من الفقراء والشيوخ الذين عجزوا عن الدفع.

هذا التسامح النادر نال احترام الأعداء قبل الأصدقاء، وجعل المؤرخين الغربيين أنفسهم يصفونه بـ**"الفارس النبيل"**. قصص تعامله مع خصمه اللدود ريتشارد قلب الأسد، كإرسال الثلج له لعلاج حمّاه، أو إرسال الخيل ليقاتل عليها بعدما فقد حصانه، رسّخت صورته كنموذج للفروسية.

إرث خالد

توفي صلاح الدين في دمشق عام 1193 م، تاركاً وراءه دولة موحدة وإرثاً من النبل والقيادة. لقد أظهر للعالم أن القوة العسكرية يجب أن تترافق مع العدل والرحمة.

إن قصة صلاح الدين الأيوبي ليست مجرد حكاية من الماضي، بل هي دعوة للتأمل في قيم الوحدة، والقيادة الرشيدة، والتسامح، وهي قيم لم تفقد بريقها على مر العصور.