مالك السعيد المحامي يكتب: الإصلاح الاقتصادي ومشروعات القرن.. قراءة في التجربة التنموية المصرية الحديثة

مالك السعيد المحامي يكتب: الإصلاح الاقتصادي ومشروعات القرن.. قراءة في التجربة التنموية المصرية الحديثة
منذ توليه الحكم عام 2014، وضع الرئيس عبدالفتاح السيسي رؤية شاملة لإعادة بناء الدولة المصرية على أسس جديدة، تجمع بين الإصلاح الاقتصادي والتنمية العمرانية والاجتماعية والأمن القومي في مسارات متلازمة، حيث انعكست هذه الرؤية في مجموعة واسعة من السياسات والمشروعات القومية التي غيرت خريطة مصر التنموية خلال عقد واحد فقط، حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن حجم الاستثمارات العامة المنفذة خلال الفترة من 2014 وحتى 2023 تجاوز 7 تريليونات جنيه، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الاقتصاد المصري.
في مجال البنية التحتية، شهدت مصر قفزة نوعية تمثلت في إنشاء وتطوير أكثر من 10 آلاف كيلومتر من الطرق ضمن المشروع القومي للطرق، الذي وضع مصر في المركز الثاني عالميًا من حيث سرعة تنفيذ مشروعات البنية التحتية وفق تقرير البنك الدولي لعام 2020، كما تم إنشاء أكثر من 450 كوبري ومحور مروري لربط المحافظات وتقليل زمن الانتقال بين المدن إلى النصف تقريبًا، هذا إلى جانب إطلاق مشروعات قومية كبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تمتد على مساحة 170 ألف فدان وتستهدف استيعاب نحو 6.5 مليون نسمة، وإنشاء مدن الجيل الرابع مثل العلمين الجديدة التي تضم 25 ألف وحدة سكنية حتى 2023، والمنصورة الجديدة التي تخدم الدلتا وتهدف إلى توفير عشرات الآلاف من فرص العمل المباشرة.
الإصلاح الاقتصادي كان حجر الأساس في هذه التحولات، فقد أطلقت مصر برنامجًا للإصلاح في 2016 بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، شمل تحرير سعر الصرف وإعادة هيكلة منظومة الدعم وإطلاق إصلاحات تشريعية لتحسين مناخ الاستثمار، وقد ساهمت هذه السياسات في مضاعفة الاحتياطي النقدي من نحو 16 مليار دولار عام 2014 إلى أكثر من 35 مليار دولار في منتصف 2023، كما تراجع عجز الموازنة من 12.5% من الناتج المحلي في 2016 إلى نحو 6.1% في 2022، وارتفع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى نحو 11.4 مليار دولار مقارنة بأقل من 4 مليارات عام 2014، كما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 2.1 تريليون جنيه في 2014 إلى أكثر من 10 تريليونات جنيه في 2023، ليضع الاقتصاد المصري بين أسرع الاقتصادات نموًا في الشرق الأوسط رغم التحديات العالمية.
أما قطاع الطاقة فقد تحول من أزمة حادة إلى قصة نجاح عالمية، ففي 2014 كانت مصر تعاني من انقطاعات يومية للكهرباء وخسائر سنوية بالمليارات نتيجة نقص الوقود، بينما بحلول 2018 تحولت إلى دولة مكتفية ذاتيًا من الغاز الطبيعي بفضل اكتشاف حقل ظهر، الذي يعد أكبر اكتشاف في شرق المتوسط بطاقة إنتاجية تتجاوز 3 مليارات قدم مكعب يوميًا، إلى جانب إنشاء ثلاث محطات كهرباء عملاقة بالشراكة مع شركة سيمنز الألمانية بطاقة 14.4 جيجاوات، وهو ما أضاف للشبكة القومية ما يعادل 50% من قدراتها السابقة، كما تم التوسع في الطاقة المتجددة عبر مشروع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، الذي يضم أكثر من 32 محطة شمسية بطاقة إجمالية تصل إلى 1.8 جيجاوات، وهو المشروع الذي وصفه البنك الدولي بأنه نموذج عالمي للشراكة بين القطاعين العام والخاص.
في الجانب الاجتماعي، أولت الدولة اهتمامًا متزايدًا ببرامج الحماية الاجتماعية، فبرنامج تكافل وكرامة يغطي أكثر من 5 ملايين أسرة، بما يعادل نحو 20 مليون مواطن، بإجمالي دعم نقدي يتجاوز 30 مليار جنيه سنويًا، كما تم رفع الحد الأدنى للأجور إلى 6 آلاف جنيه في 2024 بعد أن كان 1200 فقط في 2014، ونجحت المبادرات الصحية القومية مثل 100 مليون صحة في فحص أكثر من 60 مليون مواطن للكشف عن الأمراض المزمنة وفيروس سي، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية أن مصر الدولة الأولى عالميًا التي نجحت في القضاء على فيروس سي على مستوى الصحة العامة، كما تم تنفيذ نحو 1.5 مليون وحدة سكنية في إطار مشروعات الإسكان الاجتماعي والمتوسط لمحدودي الدخل والشباب، وهو ما ساهم في تقليص فجوة السكن وتحسين جودة الحياة لشرائح واسعة من المجتمع.
أما على صعيد الأمن القومي، فقد ارتبطت التنمية بالاستقرار، حيث تمكنت الدولة من استعادة السيطرة على مناطق الإرهاب في شمال سيناء وخفضت العمليات الإرهابية بنسبة تتجاوز 90% منذ 2015 بحسب بيانات المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وهو ما انعكس على زيادة معدلات السياحة التي سجلت نحو 14.9 مليون سائح في 2023 مقارنة بنحو 9 ملايين فقط في 2014، كما ارتبط الأمن بمشروعات تنموية كبرى مثل محور تنمية قناة السويس، الذي يهدف إلى تحويل مصر لمركز عالمي للتجارة والخدمات اللوجستية بإجمالي استثمارات متوقعة تصل إلى 55 مليار دولار خلال العقدين القادمين، بجانب مشروعات تنمية الصعيد وسيناء التي استحوذت على استثمارات تجاوزت 400 مليار جنيه في السنوات الأخيرة.
بهذه الأرقام والبيانات، يتضح أن التجربة المصرية خلال حكم الرئيس السيسي جمعت بين الإصلاح الاقتصادي الصعب والتنمية الشاملة في البنية التحتية والطاقة والخدمات الاجتماعية والأمن القومي، بما يعكس رؤية استراتيجية لإعادة بناء الدولة على أسس أكثر صلابة وقابلية للاستمرار في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والعالمية.