بيت السحيمي” تحفة معمارية تنبض بتاريخ القاهرة الفاطمية والعثمانية
بيت السحيمي
إيهابحبلص
تتشابك دروب التاريخ وتفوح رائحة الأصالة، يقف بيت السحيمي شامخًا كشاهدٍ حي على عظمة العمارة الإسلامية وروعة الحياة في العصور الماضية. هذا القصر الفاخر، الذي يعود تاريخه إلى أواخر القرن السابع عشر، ليس مجرد مبنى قديم، بل هو متحفٌ حيٌّ يحكي قصصًا عن الأسر التي سكنته، وعن الفن الذي زيّن جدرانه، وعن الحياة الاجتماعية التي دارت رحاها بين أروقته.
بُني بيت السحيمي عام 1699 ميلادي على يد الشيخ عبد الوهاب الطبلاوي، ثم توسع لاحقًا في عام 1798 على يد الشيخ محمد أمين السحيمي، والذي سُمي البيت باسمه. يمثل البيت نموذجًا فريدًا للعمارة السكنية في العصر العثماني، حيث يجمع بين الفخامة والعملية، مع الحفاظ على خصوصية المكان.
يتميز البيت بتخطيطه الفريد الذي يراعي الفصل بين قسمي "الحرملك" (خاص بالنساء) و"السلاملك" (خاص بالرجال والضيوف)، مع وجود صحن سماوي واسع يتوسط البيت، يفتح على الغرف المختلفة ويوفر الإضاءة والتهوية الطبيعية. تزين جدران البيت نقوش وزخارف خشبية بديعة، وسقوف مزينة بالرسومات الملونة، مما يعكس الذوق الرفيع والحرفية العالية للمعماريين والحرفيين في تلك الفترة.
تتجلى جمالية البيت في التفاصيل الدقيقة، من المشربيات الخشبية التي تسمح برؤية الخارج دون أن تُرى، إلى النوافذ الزجاجية الملونة التي تضفي على المكان سحرًا خاصًا عند تسرب أشعة الشمس من خلالها. كما يضم البيت بئرًا للمياه، ومطاحن للحبوب، مما يدل على اكتفائه الذاتي والقدرة على تلبية احتياجات قاطنيه.
على مر العصور، لم يكن بيت السحيمي مجرد مسكن، بل كان مركزًا ثقافيًا وفنيًا نابضًا بالحياة. استضاف العديد من العلماء والأدباء والفنانين، وشهدت أروقته حلقات للعلم والأدب والموسيقى. وقد حرصت الدولة المصرية على ترميم البيت والحفاظ عليه كإرث حضاري لا يقدر بثمن.
اليوم، يفتح بيت السحيمي أبوابه للزوار من مختلف أنحاء العالم، ليقدم لهم لمحة فريدة عن الحياة في القاهرة القديمة. يمكن للزوار التجول في الغرف المزينة، ومشاهدة التحف الأثرية، وتخيل الحياة التي كانت تدور بين جدرانه. كما يستضيف البيت بانتظام فعاليات ثقافية وفنية، مثل العروض الموسيقية والمسرحية والمعارض الفنية، مما يجعله مركزًا حيويًا لإحياء التراث والفنون التقليدية.
زيارة بيت السحيمي ليست مجرد رحلة سياحية، بل هي تجربة غامرة تأخذك في رحلة عبر الزمن، لتتعرف على تفاصيل الحياة اليومية في القاهرة الفاطمية والعثمانية. إنه دعوة لاكتشاف كنوز العمارة الإسلامية، والاستمتاع بجمال الفن والتاريخ، والشعور بنبض الأصالة الذي لا يزال يسري في جنبات هذا القصر العريق. بيت السحيمي ليس مجرد مبنى، بل هو قصة تُروى، وتاريخٌ يُعاد اكتشافه مع كل زائر.