جيفارا وكلوب..قصة كفاح لزعماء الفكر الثوري

لحية خفيفة وشعر كثيف، وبإبتسامة مألوفة نجد ذلك التشابه بين هذين الزعيمين، التي تدعمهما روح الحماس والشخصية، تشابه من ناحية زعيم ومكافح الثورات في بلاد التانجو، وبين فيلسوف الملاعب ببلاد المانشفت، فالرواية ما هي إلا إمتدادات للثورة التي قادها الأرجنتيني المناضل جيفارا ضد القيود الفكرية، مهما كان الإختلاف فنجد أن الزعيمين يمتلكان صفات مشتركة:

 

تشي جيفارا، الطبيب والكاتب والزعيم السياسي، الذي ولد في مدينة روزاريو مسقط رأس «ليونيل ميسي» أسطورة بلاد التانجو، يتشارك في هذا التنوع المهني مع يورجن كلوب اللاعب والمدرب الذي بدأ مسيرته كمهاجم بشباب نادي "إس في جلاتن" قبل أن يتحول فيما بعد إلى مدافع أيمن ضمن صفوف الفريق الألماني ماينز 05، النادي الذي بدأ معه فيما بعد ثورته الفكرية والمسيرة التدريبية ليجني الشهرة الضخمة والشعبية الجارفة في عالم الكرة وفلاسفة التخطيط في المستطيل الأخضر، شعبية كمثل التي تمتع بها الثائر الأرجنتيني بعد كفاحه ضد الاستعمار والرأسمالية والفروق الشاسعة بين الطبقات الاجتماعية.

 

بدأ جيفارا كفاحهِ من مسقط رأسه في الأرجنتين، لكن توهجه الثوري لم يلمع في السماء إلا بخروجهِ للإحتكاك بالحركات الثورية الأُخرى بالقارة اللاتينية. ونجد على الصعيد الآخر في بلاد الألمان بدأ كلوب حياته الاحترافية الكروية بنادي فورزهايم، وعلى الرغم من مروره بمحطات مثل نادي أينتراخت فرانكفورت، وسيندلينجن فإنه لم يجد تلك المساحة للتطور كتلك التي وجدها حين التحق في موسم 1990-1991 بفريق ماينز 05 كلاعب مدافع. وبعد أحد عشر عامًا إعتزل بعدها الفيلسوف الألماني مسيرته الكروية وتولي منصب القيادة والإدارة الفنية للفريق نفسهِ بعد 325 مباراة، و52 هدفًا في الدرجة الثانية الألمانية.

 

كمدير فني اتبع كلوب تطبيق فكرة الثوري، الذي بدأه بتغيير واقع فريقه ليضع هدفه الأول، وهو الصعود لدوري الدرجة الأولى الألماني، الذي لم يعش أجواءه كلاعب، وهو ما حققه بالفعل بعد ثلاثة مواسم تدريبية، في موسم 2004-2005 كأكبر إنجاز في تاريخ النادي وقئذ.

 

قبل أن يقدم كلوب نفسهِ للجماهير بدور البطل حين تمكن من التأهل بفريقه الصاعد حديثًا للدوري الأوروبي موسم 2005-2006 بعد حصوله على جائزة اللعب النظيف قبل أن يقصيه فريق إشبيلية الإسباني من البطولة بهدفين دون مقابل في مجموع اللقائين، ليبدأ معها رحلة السقوط والهبوط للدور الثاني، فيرحل بعدها بعامين بعد الفشل في تكرار الصعود للدور الأول، بعد أن أتمّ ثمانية عشر عامًا في ذلك النادي الفريق، ويبدأ تحديًا جديدًا مع أسود الفستفاليا..فريق بوروسيا دورتموند.

 

تلك الحقبة الأشهر لكلوب ومصدر فخرهِ الشخصي هي بطولة الدوري الوحيدة التي يملكها بجعبته هي وكأس ألمانيا. لكن تظل بطولة البوندسليجا هي البطولة الأغلي والتي انتزعها الإلماني من عمالقة ميونخ، بطولة أسس معها قواعد فكرهِ التدريبي وتوحشه الهجومي وسمعته الجيدة في عالم المستديرة في دورتموند. ومع توافر فرص أكبر للظهور والمنافسة وجد كلوب مناخًا مثاليًا للإرتقاء بطموحاته عالياً، للتطور والنمو الفكري.

 

وبخطة 4-2-3-1 بدأ كلوب في وضع قواعده الأولى للمجد، مع ضعط عالٍ متقدم مدعوم بالتمرير الطولي السريع للوصول للمرمى بأقصر الطرق، إضافة إلي دفاع متقدم يضفي مزيدًا من الضغط على الخصوم. أصبحت خلطته التدريبية جاهزة ليعلن عن ثورته الكبرى في بلاد الألمان بفكر جديد وإبداع خططي انقلبت معه موازين الخطط التكتيكية.

 

ليجني هو أول ثمارها بتحقيق لقب الدوري الألماني بعد سنوات من إكتساح النادي البافاري للدوري دون منافس، ليقدم كلوب نفسه كواحد من أفضل المدربين الألمان على الساحة الكروية في القارة العجوز... وجعل لفريق البايرن منافساً من العيار الثقيل في ديربي يشهده العالم بوروسيا أمام البايرن.

 

كما إستفاد «كلوب» من فكر جوارديولا إلى جانبهِ في القيادة الفنية لبايرن ميونخ، حيث أضافت المنافسة لفكره التدريبي آفاقًا ثورية جديدة تمامًا، كما استفاد «تشي جيفارا» من «فيدل كاسترو» الثائر الكوبي لصقل فكره الثوري. فاللامركزية والتحرك بدون كرة داخل منظومة هجومية وديناميكية الحركة إضافة للاستحواذ هي خصائص أصيلة للمبدع الإسباني بيب جوارديولا، واحتكاك كلوب بتلك التكتيكات المبدعة لم تجعل أمامه خيارات أُخرى غير التطور لمستويات عليا أدخلته دائمًا دائرة الترشيحات لكبرى الفرق الأوروبية.

 

كما نقل جيفارا أفكاره الثورية من مسقط رأسه إلى دول أمريكا الجنوبية، مشجعًا الحركات الثورية على مستوى العالم، كان يورجن قد نقل ما أنتجه وتعلمه في أرض الألمان، ومحطته هنا كانت ليفربول أحد أعرق الأندية الإنجليزية، لينقل معه خلاصة ما يقرب من 15 عامًا في مجال التدريب في سعي من إدارة الفريق الإنجليزي لإنقاذ ما أفسده سلفه روجر براندون.

 

ليبدأ الألماني عمله في إصلاح بيت أحمر الميرسيسايد، فبدأ ثورة التصحيح مبكرًا ليصل بها لنهائي بطولتي الدوري الأوروبي وكأس الرابطة الإنجليزية، لكن لسوء الحظ يخسر النهائيين لأسباب كانت غير مفهومة حينها. أولهما كان أمام إشبيلية بعودة تاريخية ثلاثية قاتلة لأبناء كلوب في أول نصف موسم مع الريدز.

 

لكن وعلى الرغم من الفشل فإن مكاسب الألماني قد تعددت في هذا الموسم، بفضل نجاحه في دمج فكرهِ التدريبي وأسلوب لعبه المشهور به مع دورتموند مع الفريق الإنجليزي في قلعة الأنفيلد، ليصنع فريقًاً يفرض وجوده القوي والمنافسة في البريمييرليج.

 

ومع بداية موسمه الثاني لم تكن الانتقالات على قدر التوقعات. فتدعيمات إدارة الليفر للفريق لم تكن بالقدر الكافي لحل مشاكل الفريق المزمنة تمامًا، كأزمة الربو التي لازمت جيفارا طوال رحلة كفاحه وعرضته للاعتقال، بل التي تسببت لاحقًا في مقتله. كذلك أصبحت المشاكل الدفاعية مرضًا لفريق كلوب تضربه وسط كفاح فريقه لاسترجاع التاريخ.

 

لكن عاد الألماني علي ساحة البريمييرليج بأسلحة فتاكة عن طريق منظومة هجومية قاتلة لفريقه وتنظيم حركي عالٍ، يمكنه من ضرب الخصم وضغط مرعب يستنزف به قوى خصمه ويسقطه تحت الأخطاء. النتيجة أن كلوب قد جمع نقاطًا من الفرق الست الكبار في البريمييرليج أكثر من أي فريق آخر في البطولة الأقوى في العالم. جعلته ينهي السباق رابعًا في ظاهرة خسارة بعض النقاط أمام فرق إنجليزية أخري، لتطلق علية الصحافة لقب ثائر آخر، وهو "روبن هود"، بعد أن سلك درب الثائر الأرجنتيني مستحوذاً علي نقاط الأثرياء فقط ليوزعها على الفقراء.