الأربعاء 24 ديسمبر 2025 03:38 مـ 4 رجب 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

    آراء وكتاب

    مالك السعيد المحامي

    مالك السعيد المحامي يكتب: الفجوة بين ”الحق” و”الإثبات”.. لماذا يخسر المواطن قضيته رغم عدالة موقفه؟


    أمام منصة القضاء يقف المواطن وهو موقن أن الحق إلى جانبه، إنطلاقاً من شعوره بالظلم، وإلى وقائع عاشها، ومعاناة تكبدها، غير أن الحكم يصدر أحيانا على غير ما يتوقع، فيخرج متسائلًا: كيف يُهزم الحق؟ والحقيقة أن ما يُهزم ليس الحق، بل العجز عن إثباته. فالقضاء لا يحاكم المشاعر ولا يقيم العدل وفق الروايات، بل يحكم وفق قواعد صارمة، تجعل الإثبات حجر الزاوية في أي نزاع.
    القانون المصري، شأنه شأن معظم النظم القانونية، يقرر قاعدة مستقرة مفادها أن “البينة على من ادعى”، وهي قاعدة أصيلة استمدها القانون الوضعي من الفقه الإسلامي. وقد رسخ النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ حين قال: «لو يُعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر». هذا الحديث لا يمثل توجيهًا أخلاقيًا فحسب، بل يمثل قاعدة إجرائية تحكم مصير القضايا حتى يومنا هذا.
    الفجوة بين الحق والإثبات تتجلى بوضوح في أن الحق مفهوم أخلاقي أو اجتماعي، بينما الإثبات مفهوم قانوني صرف. فالقاضي، بحسب قانون الإثبات، لا يملك أن يحكم بعلمه الشخصي أو بقناعته الوجدانية، بل بما يطرح أمامه من أدلة مكتوبة أو قرائن قانونية أو شهادات مستوفية لشروطها. وتنص المادة الأولى من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية على أن “على الدائن إثبات الالتزام، وعلى المدين إثبات التخلص منه”، وهي صياغة قانونية واضحة تنقل عبء الإثبات إلى عاتق من يدعي الحق.
    وتكشف خبرات التقاضي أن نسبة كبيرة من القضايا تُخسر لا لضعف الحق، بل لضعف الدليل، عامل مفصول تعسفيًا لا يملك عقدًا مكتوبًا أو تأمينًا اجتماعيًا، فيعجز عن إثبات علاقة العمل رغم عدالتها. شريك تعرض للإقصاء لا يملك عقد شراكة موثقًا، فيضيع حقه. مستأجر دفع مبالغ مالية دون إيصالات، فيُحرم من المطالبة بها. ووفق تقديرات قانونية متداولة في أوساط المحاماة، فإن ما يقرب من ثلثي المنازعات المدنية كان يمكن أن تُحسم لصالح أصحابها لو أُحسن توثيق المعاملات منذ البداية.
    القاعدة الذهبية في التقاضي، التي تغيب عن وعي أغلب المتقاضين، أن القاضي لا يحكم بالحق المجرد، بل بما يثبت أمامه بالأوراق والأدلة والإجراءات، فالقانون لا يعترف بالنية الحسنة، ولا بالمعاناة الشخصية، ولا بعدالة الرواية الشفوية ما لم تتحول إلى دليل مكتوب أو قرينة معتبرة. وتشير إحصاءات غير رسمية صادرة عن مكاتب محاماة كبرى في مصر إلى أن ما يقرب من 60% - 70 % من القضايا الخاسرة كان يمكن كسبها لو تم إعداد ملف الإثبات بشكل صحيح منذ البداية.
    في المقابل، يقدم الفقه الإسلامي رؤية متقدمة في هذا الباب، إذ قرر منذ قرون أن القضاء لا يُبنى على الظن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه». هذا الحديث يؤكد أن الحكم القضائي قد يصيب أو يخطئ بحسب الحجة، لا بحسب الحقيقة المطلقة، وهو ما ينسجم تمامًا مع فلسفة القضاء الحديث.
    من أكثر الأسباب قسوة في خسارة القضايا سقوط الحق بالتقادم. فالقانون لا يحمي الحق إلى الأبد، بل يضع له آجالًا محددة. بعض الحقوق تسقط بمضي سنة، وبعضها بثلاث سنوات، وأخرى بخمس أو خمس عشرة سنة. ويجهل كثير من المواطنين أن فوات الميعاد يسقط الدعوى ولو كان الحق ثابتًا. وقد استقر قضاء محكمة النقض على أن “التقادم لا يمحو الحق من الناحية الأدبية، لكنه يمنع سماع الدعوى به قضاءً”، وهي عبارة تلخص ببلاغة الفارق بين العدالة الأخلاقية والعدالة القانونية.
    من أكثر أخطاء التقاضي شيوعًا لجوء المواطن إلى المحكمة قبل اكتمال عناصر الدعوى، بدافع الغضب أو الاستعجال. فيُقيم دعوى دون إنذار قانوني سابق، أو قبل سلوك الطريق الإداري الواجب، أو دون تحديد طلباته بدقة، أو دون اختصام الخصم الصحيح. وتشير دراسات قانونية إلى أن نسبة معتبرة من الدعاوى تُرفض شكليًا، لا موضوعيًا، بسبب أخطاء إجرائية بحتة، مثل رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة، أو انعدام الصفة، أو فوات الميعاد، وهي أسباب لا علاقة لها بجوهر الحق
    تزداد الأزمة تعقيدًا بسبب أخطاء التقاضي الشائعة، التي يقع فيها المواطن بحسن نية أو جهل قانوني. فيرفع الدعوى قبل توجيه إنذار قانوني واجب، أو دون سلوك الطريق الذي رسمه القانون، أو أمام محكمة غير مختصة نوعيًا أو مكانيًا. وتنص قوانين المرافعات صراحة على أن الاختصاص من النظام العام في بعض الحالات، وأن الحكم الصادر من محكمة غير مختصة يكون باطلًا. وفي هذه الحالات، لا تنظر المحكمة إلى جوهر النزاع أصلًا، بل تكتفي بعدم القبول.
    تبرز كذلك اللغة القانونية كأحد أهم أسباب اغتراب المواطن عن العدالة. فمصطلحات مثل “عدم القبول”، و“سقوط الحق”، و“انتفاء الصفة”، و“انعدام المصلحة” تُفهم شعبيًا على أنها ظلم، بينما هي في حقيقتها مفاهيم قانونية دقيقة. فالقانون لا يسمح بالتقاضي إلا لمن له صفة ومصلحة قائمة ومشروعة، وهي شروط جوهرية نص عليها قانون المرافعات، لا يمكن تجاوزها بحسن النية أو عدالة الشعور.
    وتتعمق الأزمة في مجتمع لا تزال ثقافة التوثيق فيه ضعيفة، حيث تُدار المعاملات بالثقة، وتُبرم الاتفاقات شفهيًا، وتُهمَل المستندات. بينما يقوم النظام القانوني بأكمله على الورق والتوقيع والتاريخ الثابت. هنا لا يصبح الظلم في خسارة القضية، بل في دخولها دون سلاح الإثبات..
    كما يلعب عامل الزمن دورًا حاسمًا في خسارة القضايا. فالتقادم يسقط الحقوق مهما بلغت عدالتها. كثير من المواطنين لا يدركون أن القانون يضع آجالًا صارمة للمطالبة بالحقوق، بعضها لا يتجاوز ثلاث سنوات، وأحيانًا سنة واحدة أو حتى ستة أشهر في بعض المنازعات. وبحسب تقديرات قانونية، فإن ما لا يقل عن 25 في المئة من القضايا المدنية تُقضى بعدم القبول أو بسقوط الحق بسبب التقادم أو فوات المواعيد القانونية.
    ولا يمكن إغفال دور المحامي، بوصفه حلقة الوصل بين المواطن والنظام القانوني المعقد. فاختيار محامٍ غير متخصص، أو الاكتفاء بأتعاب زهيدة على حساب الكفاءة، يؤدي غالبًا إلى ضعف في صياغة الدعاوى والمذكرات، وسوء إدارة ملف الإثبات. فالقانون ليس مجرد حفظ مواد، بل فن في التكييف القانوني، وبناء الحجج، وترتيب الوقائع، واستدعاء السوابق القضائية. وتشير خبرات عملية إلى أن اختلاف المحامي قد يقلب نتيجة القضية رأسًا على عقب، رغم ثبات الوقائع ذاتها.
    تبرز هنا أزمة اللغة القانونية، التي تشكل حاجزًا نفسيًا ومعرفيًا بين المواطن والعدالة. فالنصوص القانونية تُكتب بلغة فنية جافة، والمصطلحات مثل “المدعي”، و“المدعى عليه”، و“عدم القبول”، و“سقوط الحق”، و“انتفاء المصلحة” تُفهم شعبيًا على غير معناها القانوني الدقيق. هذا الغموض يجعل المواطن يظن أن خسارته ظلم، بينما هي في الحقيقة تطبيق حرفي للقانون كما كُتب لا كما يُتصور.
    كما أن الثقافة القانونية المحدودة لدى الجمهور تساهم في تكريس الإحباط. فالمواطن غالبًا لا يحتفظ بالمستندات، ولا يوثق معاملاته، ولا يدرك قيمة التوقيع أو الختم أو التاريخ الثابت. في مجتمع يعتمد بدرجة كبيرة على الثقة والعلاقات الشفوية، يصبح الإثبات المكتوب عملة نادرة، بينما هو عماد العدالة في نظر القانون.
    وفي النهاية.. فإن خسارة قضية رغم عدالتها ليست دليلًا على خطأ فى الأحكام، بقدر ما هي انعكاس لفجوة معرفية وإجرائية وثقافية..إن العدالة القضائية لا تُمنح بالنوايا، بل تُنتزع بالأدلة والإجراءات القانونية السليمة. ومن لا يفهم قواعد اللعبة القانونية، فسيدخل إلى ساحة القضاء أعزل، مهما كان حقه قويًا، هنا تصبح الحاجة ملحة لنشر الوعي القانوني، وتبسيط اللغة القانونية، وتشجيع التوثيق، وإعادة تعريف وتصحيح مفهوم العدالة القضائية لدى المواطن، لا بوصفها إحساسًا أخلاقيًا فقط، بل كونها منظومة دقيقة لا تعترف إلا بما يمكن إثباته.

    استطلاع الرأي

    أسعار العملات

    العملة شراء بيع
    دولار أمريكى 49.3414 49.4414
    يورو 53.7723 53.8961
    جنيه إسترلينى 62.9153 63.0675
    فرنك سويسرى 56.0507 56.1898
    100 ين يابانى 33.3726 33.4470
    ريال سعودى 13.1553 13.1826
    دينار كويتى 160.5278 160.9055
    درهم اماراتى 13.4325 13.4633
    اليوان الصينى 6.8549 6.8693

    أسعار الذهب

    متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
    الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
    عيار 24 بيع 3,629 شراء 3,686
    عيار 22 بيع 3,326 شراء 3,379
    عيار 21 بيع 3,175 شراء 3,225
    عيار 18 بيع 2,721 شراء 2,764
    الاونصة بيع 112,849 شراء 114,626
    الجنيه الذهب بيع 25,400 شراء 25,800
    الكيلو بيع 3,628,571 شراء 3,685,714
    سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى
    مصر 24 أول خبر المطور بوابة المواطن المصري حوادث اليوم التعمير مصري بوست

    مواقيت الصلاة

    الأربعاء 03:38 مـ
    4 رجب 1447 هـ 24 ديسمبر 2025 م
    مصر
    الفجر 05:15
    الشروق 06:48
    الظهر 11:54
    العصر 14:42
    المغرب 17:01
    العشاء 18:24