ماتوا البنات.. يا وجع كفر السنابسة يا بلد!!
محمود أبو السعود
كافحوا في صمت، وعاشوا في ستر، إلى أن عرتهم أيادي الإهمال، والضمير الخرب، لم يكتبوا منشورات على الفيس بوك، ولم يستخدموا يوماً اللايف، بنات العز ولو ضاق بهم الحال، فتبقى كرامتهم وعفتهم ساترة لضيق حالهم، بينهم المهندسة، ومشروع طبيبة، ومن تكافح لتتستر وتذهب لصاحب النصيب.
١٣٠ جنيهاً هي أجرة كل زهرة اقتطفها الموت على الطريق الإقليمي، بدون سابق إنذار، بدون أن يعرفوا مع معنى كلمة خيانة وطن، ولم يكونوا على علم بمعنى الإهمال، وموت الضمير واندثار الرحمة، لم يعرفون معنى كلمة فساد، فلم يعيروا أذانهم لبرامج التوك شو، ولا صفحات الفيس بوك، ولا يعرفون كلمة التريند.
١٩ وردة كانت كل تتلخص جل أمانيهم أن يعيشوا ويفرحوا وفجأة ماتوا البنات ليس فقط من رعونة سائق، أو خطأ سائق آخر، بل ماتوا بسبب فقر يطاردهم بسرعة جنونية، وفساد هو قائد للسيارة التي يستقلونها، ومسؤول لا يعرف لقلبه الرحمة طريقا.
اقرأ أيضاً
طلب إحاطة عاجل من النائبة نجلاء العسيلي بشأن حادث طريق أشمون المأساوي: ”دماء الفتيات أمانة في رقاب المسؤولين”
اللواء سامح لطفي: حادث أشمون مأساة إنسانية تستوجب محاسبة المسؤولين والتشديد على إجراءات السلامة
مفتي الجمهورية ينعى ضحايا حادث الطريق الإقليمي.. ويشدد على قدسية النفس الإنسانية
شيخ الأزهر ينعي فتيات قرية كفر السنابسة ضحايا حادث الطريق الإقليمي
نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة ينعي ممرضة توفيت في حادث بمحافظة الشرقية
وزير النقل يتابع اجراءات السفر بالسكك الحديدية
نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان يبحث مع شركة MSD تعزيز التعاون في القطاع الصحي
عقب افتتاح دولة رئيس مجلس الوزراء للمقر الرئيسي لجهاز حماية المستهلك بالقاهرة الجديدة
نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة يتفقد مستشفى الضبعة المركزي بمحافظة مطروح
نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة يتوجه لمحافظتي البحيرة ومطروح لتفقد عددا من المنشآت الصحية ومتابعة سير العمل ميدانيا
نائب وزير الصحة : يشيد بأداء عدد من المنشآت الصحية بمحافظة قنا.. ويحدد مهلة لتلافي السلبيات
«الدهشان» يشيد بجهود وزارة النقل والصناعة ويثمّن دعم الفريق كامل الوزير للحوكمة في الطروحات الصناعية
ماتوا من أجل لقمة عيش مغموسة في وجع، منهم من كانت تحلم بفستان أبيض، ولكنها كُفنت داخل كفن أبيض، منهم من كانت تحلم بأن تُسعد والدتها عادت لأمها ملفوفة في قطعة قماش، جميعهم كانوا يحلمون بمستقبل، رجعوا بدون حلم ولا وداع، كانوا لا يعرفون أن الدنيا هي الغالية والروح فقط هي الرخيصة.
لم يرى أحد دموعهم وهي تنسكب مختلطة بدماءهم الذكية الطاهرة، لكن الله رأى واحتسب، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا... يا وجع كفر السنابسة يا بلد.
من هو الجاني الحقيقي؟ ليس ضميراً مستتراً تقديره القدر فقط، ولكنه فاعلُ ظاهرُ، أبى أن يذهب ليضمد جراح المكلومين، أبى أن يذهب ليطبطب على قلوب انشطرت إلى نصفين، فزهرة حياته أخذت تذكرة من وزارة النقل "ذهاب بلا عودة"، من المسؤول عن تلك الفواجع؟ من يتحمل فاتورة الدم؟، ما يزيد عن عشرة سنوات تتحمل الدولة فوائد قروض، كانت وزارة النقل لها نصيب الأسد منها، ومع ذلك معالي الوزير المُحصّن، لا يرى عيباً واحداً في وزارته، لا يعبأ بحادث راح ضحيته ١٩ فتاه في ربيع العمر.
لن يتحدث، لن يشاطرهم الحزن، لن يُعزي، لن يعلق، لن ولن ولن وألف لا ولن، هو الوزير لا كذب، هو الصح والجميع خطأ، ولن يُلام ولن يُحاسب، والسؤال.. معالي الوزير ماسك علينا أيه؟ وفي مشهد يجسد الآية الكريمة (قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار)، طلع علينا رئيس مجلس الوزراء في مؤتمرين متتالين دون أن يقدم واجب العزاء أو حتى يُلمح لهذه المأساة!!، ماذا حدث لنا؟ ماذا جرى لقلوبنا لضمائرنا، شكراً يا حكومة.
سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، نطالب سيادتكم بالتدخل لمحاكمة شركات الطرق التي تعمل بالباطن لصالح شركات أخرى، شركات الطرق هي المتسبب الأول والأخير في حوادث الطرق، فقط افتحوا التحقيقات وحاسبوا لجان التفتيش والرقابة والمتابعة بوزارة النقل، واسألوهم عن المليارات التي صرفت على البنية التحتية في مصر، ولماذا تسوء حالة الطرق بعد التسليم، ثم حاكموا الشركات المنفذة المتلاعبة بأرواح المواطنين، ثم حاكموا وزير النقل على قسوته أولاً ثم بعد ذلك إهماله.
حوادث الطرق تقع في كل مكان ولا ضامن لعدم وقوعها هذا حقيقي وواقع لا جدال فيه، ولكن ما حدث بالأمس ليس مجرد حادث طريق، والقضية ليست بسيطة ليتحدث البعض عن الجباية او حقوق العاملات، هذه أمور مهمة.. نعم ولكن المسألة أعمق من هذا بكثير.
حادث الأمس هو التمثيل الحقيقي لفلسفة ما يحدث في مصر في مسألة التطوير السريع، بكل ما تحمل الجملة من معنى، الاستهتار بالمعايير الفنية ودراسات الجدوى وفرض الرأي وعدم الاهتمام بالإنسان، فلسفة اخذ اللقطة و(مش مهم) بعدها ماذا سيحدث.
فلسفة الافتتاحات الكثيرة بالفيديو كونفرنس: وتمام يا فندم، وتولية أهل الثقة وفرض الرأي هي طريقة قاتلة لكل إنجاز، طريق أنفقوا عليه ملايين، ثم يظل عاما أو عامين يعمل (بفردة) واحدة لأن الأخرى حدث بها هبوط، وطريق بلا وسائل أمان ولا اشراف أمني ولا تنظيم ولا تفتيش لحركة السير، ومسؤول في موقعه لا يحاسبه أحد ولا يجرؤ على مراجعته أحد فلسفة (اللقطة) التي نعيشها في كل شيء عند الافتتاح جميلا ويبدو منجزا ولكنه منجز بلا خطط إدارة ولا صيانة ولا تأمين ولا تفكير في الإنسان الذي من المفترض أن هذه الإنشاءات تخدمه فإذا هي تقتله.
٢ تريليون جنيه تم انفاقها، والبلد استدانت وغرقت في الديون لأجل الطرق والنية التحتية، فهل نستفيق من مشروعات اللقطة، ونبدأ في دراسة حقيقية لكل مشروع مستنداً إلى أبحاث وتجارب حقيقية، أم سنعيش في بوتقة تمام يا فندم، ٣ ساعات والمشروع يخلص!!، لو لم نستفيق سنستيقظ يومياً على حوادث كثيرة ولن يكون حادث الإقليمي هو الأخير في ظل إدارة لا تتعلم من أخطاءها.