زهرة شوشة تكتب - كفن انيق!!!

في يوم العرض المدرسي، لم يكن في بيتنا ثمن ثوب أبيض.
فتحت جدّتي صندوقها الخشبي القديم، وأخرجت كفنها الأبيض.
نظرت إليّ بخوفٍ يختبئ خلف ابتسامتها، وقالت:
"ربنا يرزقك طول العمر، بس مضطرين تلبسيه."
قصّت الكفن بيديها المرتعشتين، وخاطته بماكينتها العجوز،
فصنعَت منه تنورةً بيضاء، منفوشةً كزهرةٍ في الربيع،
وصمّمت لي طوقاً للشعر بوردة قطنية ناعمة.
كنتُ أجمل فتاةٍ في الفرقة.
كلما رقصتُ، كان الكفن يرفرف حولي كأنه جناح ملاك.
بعد موتها، كنت أذهب لزيارة قبرها دون علم أمي.
أجلس عند الضريح، أحكي لها كل شيء.
كنت أعتقد أن حارس المقبرة هو من يمنعني من سماع صوتها.
أحياناً، كنت أحمل طعاماً بسيطاً وأضعه أمام قبرها،
ظنّاً مني أنها ستأكله.
كنت ألعب بجوارها بطمأنينة، وكأن روحها تراقبني.
وذات يوم، لمحتُ جنازة تقترب من المقابر.
خفت أن يراني أحد ويخبر أبي،
فدخلتُ مقبرة مفتوحة واختبأت فيها،
وغفوت للحظة…
استيقظتُ مفزوعة، والقبر يحيطني بسكونه الثقيل.
مرت الأيام، ولا أنسى تلك اللحظة.
وأنا أتمتم لنفسي:
أيّ مصيرٍ ينتظر من لبست الكفن، ودخلت القبر قبل موتها؟
لكني أتذكّر…
قلبي يومها لم يكن خائفاً.
بل كان هادئاً، كأنني كنتُ أعرف نهاية الطريق.
هذا المشهد ما زال يوقظني كلما غفل قلبي او ضايقتني الايام.
حدث بالفعل.