خالد مصطفى يكتب: التمهيد للمعركة الكبرى

لم تعد المواجهة بين إيران وإسرائيل مجرد حرب في الظل كما كانت لعقود بل تحولت
إلى صراع شبه مفتوح متعدد الجبهات ومعقد الأبعاد في قلب هذه الحرب تدور معارك نفوذ واختبارات إرادة وصراع على إعادة تشكيل خريطة الشرق الاوسط
بعد سنوات من العمليات السرية كإغتيال العلماء النوويين الإيرانيين وتفجير المنشآت شهدنا تحولاً خطيراً حيث شنت اسرائيل هجوماً مباشراً على ايران في سابقة لم تحدث منذ الثورة الإيرانية عام 1979 ردت عليها ايران بضربات دقيقة في قلب تل ابيب والعديد من المدن الاسرائيلية و الرسالة أصبحت واضحة الحرب لم تعد تدار بالوكالة فقط بل انتقلت
إلى حالة اشتباك مباشر —ولكن بحذر شديد
إيران لا تقاتل وحدها وإسرائيل لا تواجه خصماً تقليدياً هناك شبكات متشابكة من الحلفاء والوكلاء هذه الحرب أصبحت حرباً بين محور المقاومة ومحور الردع الإسرائيلي الغربي ومن الممكن ان تطال البحر الأحمر الخليج وحتى المتوسط إسرائيل تعتبر أن إيران تقترب من إنتاج قنبلة نووية وهو ما تعتبره خطاً أحمر وجودياً بالنسبة لها لأن أي تطور في برنامج إيران النووي فوق عتبة 90% تخصيب يورانيوم قد يكون خطراً وجودياً على اسرائيل بالمقابل إيران بدأت برد مزلزل شمل تل أبيب وحيفا وبئر سبع قد يعيد المنطقة إلى ما قبل حدود الدول
الحرب هنا قد تكون نووية في معناها السياسي وإن لم تُستخدم الأسلحة النووية فعلياً إسرائيل ضربت عمق إيران نفسياً اغتيالات اختراقات استخباراتية هجمات رقمية على البنية التحتية
وبعض المنشآت العسكرية والإذاعة والتلفزيون فى المقابل إيران ردت بضربات نفسية أقوى وأصعب بشحنات طائرات مسيّرة نحو العمق الإسرائيلي هجمات على مواقع الغاز وهدمت احياءً كاملة فى العاصمة الاسرائيلية
ان الصراع بين إيران وإسرائيل لا يتجه إلى حل بل إلى تحول نوعي كل ما نشهده الآن هو تحضيرات لما هو قادم وماهو أخطر الحرب الكبر قد لا تبدأ بضربة صاروخية بل بخطأ في التقدير أو عملية اغتيال واحدة الرؤوس الكبيرة في التوقيت الخطأ أو مسيّرة تضرب هدفاً حساساً المنطقة بأكملها أصبحت رهينة لهذا الصراع وإذا اشتعلت النيران بالكامل لن تنجو
أي دولة عربية في المحيط من تداعيات هذه المواجهة التاريخية لأننا للأسف اصبحنا
في زمن لم تعد فيه التحالفات ثابتة ولم تعد القواعد القديمة تضبط إيقاع الشرق الأوسط حيث تقف المنطقة أمام لحظة مصيرية إما الحرب الكبرى أو الفوضى الكاملة
إنه صراع لا يشبه أي صراع سابق حرب رسمية تشتعل في السماء إذا المشكلة بين إيران وإسرائيل ليست مجرد خلاف على حدود
أو نفوذ إنه صراع عقائدي استراتيجي تاريخي يتمحور حول أسئلة وجودية أهمها هل يمكن لإيران أن تصبح قوة نووية وسط بحر من الأعداء
هل يمكن لإسرائيل أن تتقبل وجود دولة تعلن صراحة أنها تريد زوالها
وهل المنطقة قادرة على تحمل صدام بين
قوة ثورية شيعية وقوة نووية يهودية
الجواب باختصار : لا
بعد كل ذلك يجب ان لانغفل بأن البرنامج النووي الإيراني هو أساس الصراع وأنه ليس مجرد مشروع علمي بل مشروع سيادي تعتقد طهران أنه مفتاح أمنها القومي
لكن إسرائيل ترى فيه تهديداً وجودياً لها
ومن هنا فإن لحظة إعلان إيران تجاوز نسبة 90% تخصيب اليورانيوم اللحظة الحاسمة لإطلاق أول ضربة أشعلت فتيل الأزمة إنها حرباً إقليميةقد لا تعرف الحدود ولا الرحمة
الأسوأ أن الطرفين مقتنعان أنهما لا يستطيعان التراجع لأن إيران ترى في التراجع خضوعاً وإسرائيل ترى في الصمت انتحار
إذا ان هذه الحرب لن تكون كحرب 2006
أو 2014 أو حتى عام 1991 لأن الشرق الأوسط لم يعد فيه لاعب عاقل واحد يستطيع إيقاف هذه المعركة على الجانب الآخر نرى الولايات المتحدة منقسمة بين دعم إسرائيل وتجنب حرب كبرى روسيا والصين تراقبان لا أكثر
وقد تدعمان إيران إذا طال أمد الحرب أوروبا تحذر لكن لا تأثير لها فعلياً اما الدول العربية تتمنى أن تتوقف النار لكنها عاجزة عن وقفها
أو توجيهها ما يجري بين إيران وإسرائيل ليس مجرد صراع عابر بل بداية لمرحلة جديدة
في تاريخ المنطقة إما أن تتغير قواعد اللعبة بالكامل أو يتم إحراق الطاولة بكل من عليها
وإن كانت الحرب لم تبدأ بشكل رسمي حتى الآن فإن كل ضربة كل اغتيال كل كلمة هي جزء من المقدمة الأخيرة للمعركة الكبرى فهل نحن مستعدون لما هو قادم