خالد مصطفى يكتب: مشروع الشرق الأوسط الجديد

مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أكدت
عليه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس في 2004 والتغيير من خلال الفوضى الخلّاقة عن طريق تفتيت الكيانات الحالية وإعادة رسم المنطقة من جديد
بتفكير غربي اين هو الأن ..
بحسن نية نقول إن فكرة هذا المشروع نشأت كردّ فعل عاطفي على أحداث 11 سبتمبر
وليس مخطط لها مسبقاً ورأى واضعوها أنه
لا بد من تطهير المنطقة وتغيير العقول التي أفرزت إرهابيين هاجموا أمريكا من الداخل وللأسف تجاهلوا أنهم هم من تسببوا في بروز هذه العقول الإرهابية وشجعوها ودعموها بوسائل مختلفة وقاومتها دول المنطقة وعلى رأسهم مصر ولكن للأسف لا يذكرون ذلك وخُيّل للجهات الغربية من أجل تجنب هجمات جديدة في المستقبل يتوجب عليهم تغيير الأوضاع
في هذه المنطقة من العالم عبر
أدوات طنانة ورنانة مثل نشر الحريات وتعزيز الديمقراطيات التي يصدقها العديد من البسطاء وللأسف المنطقة كانت مهيأة لتجريب مثل هذه الخطط والمشاريع في بعض البلدان بسبب انتشار الفساد والتطرف واتساع الآثار المدمرة التي خلفها الاحتلال الأمريكي للعراق وتمكين الميليشيات الإيرانية واتساع نشاط تنظيم القاعدة وداعش والتنظيمات الشيعية المتطرفة كلها عوامل جعلت الصورة تبدو قاتمة ما عدا بعض النماذج المستقرة التي تمثلها دول الخليج حيث شهد العالم فى عام 2009 تحولاً تمثل في تغير الإدارة الأمريكية ووصول الرئيس أوباما وفريقه المؤمن بمثل هذه المشروعات وتولى البيت الأبيض ما بات يعرف لاحقاً
بالقيادة من الخلف وكانت أبرز وأشنع تجليات البداية بفوضى ما يسمى بالربيع العربي وللأسف اتسعت الفوضى الخلاقة وسالت الكثير من الدماء وحلّ الدمار الذي لا يمكن أن يمثل أساساً للتغيير خاصة في ظل الانفجار الطائفي العنيف في المنطقة لكن داعمي المشروع
الذين لم يتوقعوا ذلك الدمار والمذابح كابروا ولم يعترفوا بأخطائهم واعتبروا ذلك الخراب والدمار إحدى النتائج الطبيعية من أجل ولادة شرق أوسط جديد بحسب تعبير كوندوليزا رايس ولم تُقيم أي اعتبارات للأخطار المترتبة على تلك المغامرة حتى لو تم التقسيم وبناء كيانات جديدة فما سيحدث ببساطة هو إعادة إنتاج الحروب من كونها بين جماعات لتصبح بين دول خاصة وأن بناء الكيانات تم على أساس
مذهبي و طائفي يجعلها كيانات توسعية وليست وطنية وبعد سنوات لم تنتج فيها تلك التغييرات تنمية ولا ديمقراطيات أو حريات وتورطت فيها كيانات في المنطقة مثل قطر وتركيا وإيران لأنهم ظنوا أنها مشاريع متحققة لا محالة وعليهم أن يكونوا جزءاً من التنفيذ واليوم وبعد نحو عقدين من الزمن كان من الطبيعي أن يفشل هذا المشروع لسبب بسيط وهو أنه نشأ بفكر غربي بعيد عن وقائع الحياة وطبائع الأمور
في منطقة الشرق الأوسط كما أن الذين قاموا عليه كانوا مبرمجين و منقطعين الصلة بأحوال الناس وتاريخهم الحضاري لذا لازم الفشل ذلك الطرح حيث تولت مصر قيادة ملف مقاومة هذا التوجه الجديد في المنطقة وبدعم من الغائب الكبير الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود واستمرارية دعم الملك سلمان بن عبدالعزيز والشيخ محمد بن زايد وبقية دول الخليج
بالتضامن مع المملكة الأردنية حيث ما لبثت دول الاستقرار في المنطقة أن انطلقت نحو نظرياتها الواقعية حيث أثبتت التجربة أنه لا يمكن إدارة المنطقة بنظريات غير واقعية وقادمة من خارج المنطقة بالإضافة إلى توافر الأمن والتنمية وليس الفوضى الخلاقة هما اللذان يمكن أن يخلقا شرق أوسط جديد وكبير أيضاً
البعض لم يفهم لماذا قدم أقوى رجل في العالم في زيارته الأخيرة إلى المنطقة رسالته التي قال فيها لم يتم إنشاء عجائب القاهرة والرياض وأبوظبي من قبل ما يسمى ببناة الأمة
أو المحافظين الجدد أو المنظمات الليبرالية غير الربحية الذين أنفقوا ترليونات الدولارات وبالرغم من ذلك فشلوا فى تطوير كابول وبغداد وصنعاء والعديد من المدن الأخرى وفي مقابل ذلك تم إحياء الشرق الأوسط الحديث من قبل
أهل الأرض وليس أهل الشر لأن الأشخاص الذين عاشوا هنا طوال حياتهم وطوروا بلدانهم ورسموا مصائرهم بطريقتهم الخاصة
هم لا يحتاجون اليوم لمن ينظّر عليهم فدليلهم على النجاح أمام الجميع دول ومدن متطورة ومتقدمة وناجحة إن من يُسمون ببناة الدول دمروا دولا أكثر بكثير ممَا بنوا فهل كانت هذه الرسالة بمثابة اعتذار من قبل الرئيس الأمريكي لأهل المنطقة نعم كانت رسالة إعتذار وكانت رسالة للدول الغربية بأن يفهموا أن النظام الذي ينجح في الغرب ليس شرطاً أن ينجح في منطقة أخرى والدليل العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا واليمن لأن كل أرض لها خصوصيتها ولها طريقتها في إنجاح أمورها متى ما كانت هناك قيادات حقيقية تنظر للمصلحة العامة وليس لمصلحة طرف أو جماعة مع إبعاد الأطراف الأخرى لقد كان خطاب ترامب انتصاراً على العولمة ومن الأهمية بمكان أن يعرف العالم أن هذا التحول العظيم لم يأتِ من التدخليين الغربيين أو من الأشخاص الذين يطيرون
في طائرات جميلة ويقدمون لك محاضرات حول كيفية العيش وكيفية إدارة شؤونك الخاصة في النهاية دمر ما يسمى بناة الأمة والمحافظون الجدد دولاً أكثر بكثير مما بنوه وكان المتدخلون يتدخلون في مجتمعات لم يفهموها ولم يعيشوا فيها وبينما كان العراق وسوريا ولبنان واليمن هم الشرارة الأولى لمشروع الشرق الأوسط الجديد المدمّر وما
آل إليه من فشل ونتائج وخيمة فإن القاهرة والرياض وأبوظبي وعمان أيضاً يمثلون حجر الأساس للشرق الأوسط الجديد الذي ينطلق
من أن التغيير يتم بتوفير الأمن والأمان مع الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية
لا بالطائفية والتحزّب والفوضى الخلاقة لقد فشلت كل المحاولات الأمريكية قبل ذلك فكانت الضربة الفجائية لإيران فى محاولة لفرض واقع إسرائيلى جديد فى المنطقة ومحاولة أمريكية جادة لصنع خريطة جديدة
فى الشرق الأوسط لكن مع تداعيات الأحداث
وتطوراتها المتلاحقة وحالة الوعى المصرية المتزايدة من الممكن أن تفرز شرق اوسط جديد خالى من الكيان الصهيونى