«صرخة إلى وزارة الداخلية: قانون القبائل يعلو فوق الدولة في وادي النطرون والعلمين»
في الوقت الذي تطرح فيه الدولة أكبر خطط للتوسع الزراعي واستصلاح ملايين الأفدنة، يكشف الواقع في مناطق وادي النطرون، وطريق العلمين الدولي عن معادلة مختلفة تمامًا؛ فالعقود الرسمية لا تكفي، وتخصيص الدولة لا يحسم السيطرة، بينما يتردد — في روايات المستثمرين — أن «الوجود الفعلي على الأرض» لا يزال مرهونًا بسلطة عرفية تفرض شروطها خارج القانون.
فبحسب شكاوى تلقاها «الميدان»، فإن جهات الدولة تُسلم الأراضي وتحصّل قيمتها، أو حتى تم شرائها عن طريق وضع اليد، لكن استغلالها يُصطدم بما يسميه المتضررون «الموافقة العرفية»، التي تُنسب — وفقًا لرواياتهم — إلى مجموعات قبلية في مقدمتها قبيلة الجوابيس وعائلات من الصبيحات، داخل نطاق محافظة البحيرة والوحدة المحلية لوادي النطرون.
رواية شاب مستثمر: دفع الثمن كاملًا… ثم مُنع من دخول أرضه
يقول م.أ إنه اشترى قطعة أرض بوضع اليد على طريق العلمين الدولي، وسدد ثمنها بالكامل، لكنه فوجئ — وفق روايته — بأربعة أفراد من عائلة الصبيحات يطالبونه بعدم دخول الأرض بدعوى أنهم خَفَرة عليها من وزارة الزراعة.
ويضيف أنه عند التفكير في البيع، تم إبلاغه — حسب قوله — بضرورة دفع ٥٠ ألف جنيه للفدان مقابل السماح بإتمام الصفقة، وإلا «سيتم تطفيش المشترين».
رواية ثانية: «القانون لا يدخل هنا»
مستثمر آخر يُدعى خ.خ يروي أنه مُنع من دخول أرضه «تحت وطأة التهديد»، مشيرًا إلى أن «القانون لا يُطبق في تلك المناطق، وهناك قانون القبائل فوق قانون الدولة».
ويؤكد أنه فوجئ بثلاثة أشخاص يُشار إليهم بالأحرف ع.ق – ع.ق – ح.ق من الصبيحات يمنعونه بالقوة من النزول إلى الأرض رغم امتلاكه مستنداتها.
رواية ثالثة: تعطيل الحفر ومنع المعدات
يؤكد مستثمر ثالث يُشار إليه بـ س.ر أنه حصل على تخصيص رسمي لقطعة أرض لاستصلاح ١٥٠ فدانًا، وبدأ في حفر بئر مياه، إلا أنه — وفق روايته — تم إيقاف المعدات بالقوة من قبل أفراد مجهولين بدعوى أن «المنطقة ليست للبيع دون إذنهم».
ويقول إن العمال غادروا الموقع خوفًا من التعرض لهم، ما أدى إلى خسائر تجاوزت — حسب قوله — ٨٠٠ ألف جنيه دون أن يتمكن من استكمال المشروع.
رواية رابعة: تهديد بالاعتداء وحرق المحصول
مزارع مستأجر يرمز لاسمه بـ ع.م يقول إنه بدأ زراعة أشجار زيتون على مساحة ٤٠ فدانًا، لكن بعد أشهر — وفق شهادته — تلقى تهديدًا شفهيًا بأن «المحصول لن يخرج من الأرض» ما لم يدفع مبلغًا ماليًا.
ويضيف أنه اضطر للتراجع وترك الأرض قبل الحصاد خوفًا من الاعتداء أو حرق الأشجار.
رواية خامسة: منع البيع بالمزاد
مستثمر آخر يُدعى ف.ش يؤكد أنه فاز بمزاد رسمي على مساحة ضمن الظهير الصحراوي لوادي النطرون، لكنه فوجئ — حسب روايته — بمطالبة دفع «مقابل دخول»، وعند رفضه، تم تهديد المشترين المحتملين، ما أدى لتعطّل المشروع قبل أن يبدأ.
الدولة تبني… والفراغ يملأ الصحراء
المفارقة أن هذه المناطق تُعد من أهم محاور التوسع الزراعي في مصر، وتضخ فيها الدولة مليارات الجنيهات في:
شبكات الري الحديثة
الطرق الجديدة
محطات الرفع
برامج الزراعة المستدامة
لكن المتضررين يرون أن الواقع العملي لا يزال رهينًا لفراغ إداري وأمني في الامتدادات الصحراوية، سمح — وفق رواياتهم — بوجود نفوذ عرفي موازٍ لا تعالجه الأوراق الرسمية.
مصادر محلية: المشكلة ليست نزاع ملكية
مصادر داخل الوادي أكدت أن الأزمة لا تتعلق بملكية الأرض، بل بغياب الوجود التنفيذي، ما أدى — وفق تقديرهم — إلى نشوء «أمر واقع يصعب تغييره دون تدخل مباشر».
السؤال الذي لا يزال بلا إجابة
كيف يمكن للدولة أن تطلب من المستثمرين الثقة، بينما — وفق الشكاوى — من يملك العقد لا يملك الأرض؟
وهل يمكن تحقيق خطة الأمن الغذائي بينما بعض المساحات تُدار بمنطق «الأسبق في السيطرة لا الأحق في القانون»؟
وحتى تُعاد الصحراء لسلطة الدولة كاملة، سيظل الملف شاهدًا على حقيقة واحدة:
الأرض لا تُزرع بالري وحده… بل بسيادة القانون أولًا.






