” تامر مدكور ” من البحيرة إلى القاهرة مرورًا بالدقهلية.. مسيرة حافلة بالتحولات الطبية والإدارية


في عالم الإدارة الصحية، لا تُقاس النجاحات بعدد التصريحات أو المؤتمرات الصحفية، بل تُقاس بما يُنجز على الأرض، بين أروقة المستشفيات وغرف العمليات وسجلات المواطنين. ومن بين الأسماء التي فرضت نفسها بقوة على المشهد الطبي في مصر خلال السنوات الأخيرة، يبرز اسم الدكتور تامر عاطف علي مدكور، الذي لم يكن مجرد طبيب عظام ناجح، بل تحوّل إلى قائد ميداني للمنظومة الصحية في أكثر من محافظة، وترك بصمة واضحة حيثما وُجد.
اليوم، وبعد توليه رسميًا منصب وكيل وزارة الصحة بالقاهرة في يوليو 2025، يصبح من الضروري إلقاء الضوء على تلك المسيرة المهنية اللافتة، التي بدأها بين غرف العمليات، وانتهت به إلى قمة هرم الإدارة الصحية في العاصمة المصرية.
من طبيب عظام إلى قيادي تنفيذي
ولد الدكتور تامر مدكور لعائلة ذات خلفية علمية، وتخرج في كلية الطب بجامعة مصرية عريقة. بعد حصوله على بكالوريوس الطب والجراحة، اتجه نحو تخصص جراحة العظام وحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه وزماله أوروبية جراحة ركبة ، حيث لمع اسمه كطبيب شاب يجمع بين الدقة والإنسانية.
اقرأ أيضاً
تامر مدكور.. وكيل وزارة الصحة بالقاهرة يتسلم مهام تحديات صحية كبيرة
جاكلين شي: نهدف إلى تحويل الأفكار إلى تطبيقات واقعية تحدث فرقاً في قطاعات الصحة والتعليم والزراعة والحكومات الذكية
ڤودافون مصر تتعاون مع وزارة الشباب والرياضة والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مبادرة “سفراء الاتصالات” لتوعية الشباب والنشء
اعتداء علي طبيب فى مستشفي ابو حماد وحدوث إصابات بالرأس
راعي مصر عضو التحالف الوطني تشارك مع وزارة التضامن في تنفيذ قوافل طبية بمشروعات السكن البديل
حزب الإتحاد ينظم مؤتمراً حاشد لدعم مرشحه بانتخابات الشيوخ بمحافظة الغربية
راية القابضة ووزارة الزراعة تبحثان تعزيز التعاون لدعم القطاع وتمكين المزارعين عبر ”راية فودز”
حزب الاتحاد ينظم مؤتمر حاشد لمرشح الشيوخ بمحافظة سوهاج
وزير التعليم يلتقي أوائل الثانوية العامة لتكريمهم بمقر الوزارة السبت
تكريم الدكتورة إسراء لطفي على تميزها في مجال الصحة المهنية
محافظة البحيرة و“الفاو” تشهدان مؤتمرًا شبابيًا لتعزيز مشاركة المجتمع في التصدي للتغيرات المناخية
تغييرات واسعة بوزارة الصحة.. الإعلان الرسمي بعد 24 يوليو
بمرور الوقت، لم تقف طموحاته عند حدود المشرط وغرفة العمليات، فدخل إلى عالم الإدارة الصحية، من بوابة التأمين الصحي، الذي يُعد أحد أكثر القطاعات تعقيدًا وتشعبًا.
بدأ مسيرته الإدارية مدير مستشفى المبرة بالمحلة الكبرى، حيث أدار المستشفى بأداء حاز ثقة الهيئة ، ثم تولى إدارة المجمع الطبي للتأمين الصحي بطنطا، وهو أحد أكبر التجمعات الصحية في دلتا مصر ، ليتولى بعد ذلك مسؤولية فرع التأمين الصحي بمحافظة البحيرة ثم كفر الشيخ الغربية، وهو فرع معقد يمتد لخدمة ملايين المواطنين ، ثم تم تعيينه مساعدًا لأمين عام اللجنة العليا للتخصصات الطبية، ليشارك في وضع السياسات الفنية والطبية للهيئة.
هكذا، تنقّل د. مدكور عبر مناصب متنوعة، أثبت خلالها كفاءة نادرة، وسمعة مهنية راقية، فتقرر إسناد مهمة أكبر إليه، وهي قيادة الصحة في واحدة من أكبر محافظات الجمهورية.
سبتمبر 2024.. بداية التحدي في الدقهلية
في 4 سبتمبر 2024، أصدر وزير الصحة قرارًا بتعيين الدكتور تامر مدكور وكيلًا لوزارة الصحة بمحافظة الدقهلية، خلفًا للدكتور شريف مكين، في وقت كانت فيه المحافظة تشهد ضغوطًا متزايدة على القطاع الصحي، وسط تحديات تتعلق بالتكدس السكاني، ونقص بعض التخصصات، والبنية التحتية القديمة لبعض المستشفيات.
جاء مدكور بمشروع واضح: "التطوير من القاعدة حتى القمة". وكان يؤمن بأن النجاح لا يأتي من المكاتب المكيفة، بل من النزول الميداني، والتواصل مع الفرق الطبية، ومواجهة الملفات المعقدة بجرأة.
خطة التطوير.. 31 مستشفى في عام
ما أن استقر على مكتبه بديوان مديرية الصحة بالمنصورة، حتى أطلق مدكور واحدة من أضخم خطط التطوير التي شهدتها المحافظة منذ سنوات ، في أقل من 12 شهرًا، تم تنفيذ 92٪ من خطة تطوير 31 مستشفى، تشمل مستشفيات عامة، مركزية، متخصصة، ومراكز صحية.
أبرز محاور التطوير شملت أقسام جديدة مثل جراحات الوجه والفكين، والأنف والأذن، ووحدات عناية قلب مركزة ، أجهزة متطورة مثل مناظير الحالب، أجهزة C-Arm للجراحات الدقيقة، وأجهزة تنفس صناعي حديثة ، افتتاح عيادات متخصصة للأورام، السكر، والتصلب المتعدد، وغسيل كلوي للأطفال ، كانت فلسفته أن "الطبيب لا يبدع بدون بيئة مؤهلة، والمريض لا يشفى دون خدمة شاملة".
عمليات نوعية.. وتحديات فنية
في نوفمبر 2024، سلطت الصحف الضوء على إنجاز كبير تحقق بمستشفى أجا المركزي، حين نجح الفريق الطبي تحت إشراف مدكور في إجراء جراحة ترميم نادرة لعظام الفك، باستخدام عظام مأخوذة من نفس المريض.
لم تكن تلك الجراحة استثناءً، بل كانت جزءًا من سلسلة من العمليات المعقدة التي دخلت لأول مرة في مستشفيات الدقهلية.
كما تمت توسعة برامج العلاج الكيماوي في مستشفيات السنبلاوين والمنزلة، وتدشين وحدة أمراض دم جديدة، لتقترب الخدمات التخصصية من سكان الريف والمناطق الطرفية.
إدارة صارمة للمخلفات الطبية
في بلد يعاني من مشكلات بيئية مزمنة، أولى الدكتور تامر مدكور اهتمامًا بالغًا بـ إدارة المخلفات الطبية الخطرة ، خلال عام 2024 وحده، نجحت المديرية تحت قيادته في التخلص الآمن من 1.94 مليون كجم من النفايات الطبية، عبر منظومة متكاملة شملت الحرق، النقل الآمن، والتتبع الإلكتروني.
وقد صرّح في إحدى المناسبات:"حماية المجتمع تبدأ من ضبط ما يخرج من المستشفى، كما تضبط ما يحدث داخلها".
الاستثمار في البشر.. لا في الحجر فقط
أدرك مدكور أن الأجهزة لا تعمل وحدها، فاهتم بتدريب العنصر البشري بقدر اهتمامه بالبنية التحتية.
فأشرف على تنظيم دورات متقدمة لأطباء الأسنان في الإجراءات الجراحية الدقيقة ، تدريب أكثر من 55 فني صيانة أجهزة طبية على أحدث النظم ، ورش تدريب للتمريض على برامج الإنعاش القلبي والرعاية الحرجة ،كما أطلق خطة لاعتماد 7 منشآت صحية من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، لتكون مستشفيات الدقهلية في مقدمة قطار الجودة المؤسسية.
طبيب مثالي.. وتكريم شعبي ورسمي
في مايو 2025، تم اختيار الدكتور تامر مدكور من قبل نقابة الأطباء كـ"طبيب مثالي"، خلال احتفالية يوم الطبيب المصري الـ47.
وقال عنه النقيب العام في كلمته "هو نموذج للطبيب الذي ارتقى بالمهنة حين جلس على مقعد الإدارة" ،وفي يوليو 2025، وخلال حفل رسمي حضره محافظ الدقهلية، تم منحه درع المحافظة تقديرًا لجهوده في تطوير القطاع الصحي، عشية الإعلان عن نقله إلى العاصمة.
القاهرة.. التحدي الأكبر
بتاريخ 31 يوليو 2025، تولى الدكتور تامر مدكور رسميًا مهامه الجديدة كـوكيل لوزارة الصحة بالقاهرة، في وقت تعاني فيه العاصمة من تحديات مهنية وجغرافية وبشرية ضخمة، ومع بداية مهامه، يتطلع الجميع إلى نقل خبراته الميدانية والإدارية إلى هذا الموقع الحساس، خاصة في ظل توجه الدولة نحو رقمنة الخدمات الصحية، وتعزيز منظومة التأمين الصحي الشامل.
تحليل: لماذا نجح مدكور؟
يرى المراقبون أن سر تميز الدكتور مدكور يكمن في جمعه بين الكفاءة الطبية، والقيادة الميدانية، والحس المجتمعي ،فهو ليس إداريًا تقليديًا، بل طبيبًا يمشي في ردهات المستشفيات، ويعرف اسم كل طبيب نائب، ويسأل المرضى بنفسه ،كما أن ثقته في الشباب، وتقديره للكوادر التمريضية والفنية، جعلت منه شخصية محبوبة داخل المنظومة الصحية وخارجها.
من قاعات العمليات إلى قلب العاصمة
إن قصة الدكتور تامر مدكور لا تمثل فقط قصة صعود طبيب ناجح، بل تمثل رؤية لمستقبل الإدارة الصحية في مصر؛ إدارة قائمة على التخطيط، والانضباط، والتواصل الإنساني، بعيدًا عن الشعارات.
واليوم، ومع بداية فصل جديد في القاهرة، يضع الجميع أملًا في أن يُعيد هذا الطبيب الإداري صياغة العلاقة بين المواطن والمستشفى، ليصبح "الحق في الصحة" واقعًا ملموسًا لا وعدًا على الورق.