الأحد 2 نوفمبر 2025 05:32 صـ 11 جمادى أول 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

ثقافة

ابن يونس المصري: الفلكي الذي سبق عصره... وحلّق فوق المقطم

ابن يونس المصري
ابن يونس المصري

إيهاب حبلص

عاش في أوج العصر الفاطمي (القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي). لم يكن مجرد راصد للنجوم، بل كان ثورة علمية متجسدة في قلب القاهرة، لُقب بـ "أعظم فلكيي عصره".

​1. مرصد المقطم... حيث وُلد "الزيج الحاكمي"
​نشأ ابن يونس في بيت علم بامتياز في مصر، حيث كان والده مؤرخاً وجده من علماء النجوم. وعندما بزغ نجمه، وجد الرعاية الكاملة في ظل الدولة الفاطمية، التي شجعت العلوم، فبُني له مرصد فلكي على صخرة مرتفعة في جبل المقطم بالقرب من الفسطاط (القاهرة).
​كانت ثمرة عمله في هذا المرصد هي تحفته الخالدة: "الزيج الحاكمي". هذا الزيج (وهو مجموعة من الجداول الفلكية التي تحدد مواضع الكواكب وحسابات الزمن) لم يكن مجرد تكرار لما سبقه، بل كان عملاً تصحيحياً دقيقاً.

وفي ​دقة غير مسبوقة رصد ابن يونس كسوف الشمس وخسوف القمر عام 978م في القاهرة. كانت أرصاده هي الأدق على الإطلاق حتى ظهور التلسكوبات الحديثة، واستفاد منها لتصحيح قيم ميل دائرة البروج وخطوط عرض الكواكب.
​مرجع عالمي: اعتمد على أرصاده فلكيو العصور الوسطى في العالم الإسلامي وأوروبا لعدة قرون تالية.

اقرأ أيضاً

​2. ريادة في الرياضيات... مفتاح اللوغاريتمات
​لم تقتصر عبقرية ابن يونس على الرصد، بل امتدت إلى صلب الرياضيات اللازمة لعمله الفلكي، وخاصة في علم المثلثات الكروية، وهو الفرع الحيوي لحساب مواقع الأجرام السماوية.

​يُنسب إليه الفضل في وضع قانون كان له أهمية قصوى: تحويل عمليات الضرب الطويلة في المعادلات الفلكية إلى عمليات جمع بسيطة باستخدام صيغة رياضية متقدمة (ما عُرف لاحقاً باسم "المتطابقة المُثلثية"). هذا الإنجاز يُعد تمهيداً رياضياً عظيماً، وقد سبق اكتشاف اللوغاريتمات في أوروبا بعدة قرون.

​3. اختراع سبق "جاليليو": بندول الساعة
​في إنجاز ميكانيكي مذهل، يُنسب لابن يونس اختراع "رقاص الساعة" أو البندول. كان الهدف الأصلي من هذا الابتكار هو قياس الفترات الزمنية بدقة متناهية أثناء عمليات الرصد الفلكي، لأنه كان أكثر دقة من الساعات المائية والرملية المتوفرة آنذاك.

​ورغم أن القانون الفيزيائي للبندول نُسب لاحقاً إلى جاليليو في القرن السابع عشر، إلا أن المصادر التاريخية تُشير إلى أن ابن يونس كان أول من صممه واستخدمه فعلياً كأداة لقياس الزمن بدقة.
​4. الفلكي الفيلسوف ذو الأطوار الغريبة

​كانت حياة ابن يونس تحمل طابعاً خاصاً. إلى جانب كونه فلكياً ورياضياً، كان شاعراً، ومؤرخاً ألف "تاريخ أعيان مصر"، بل وعازفاً ماهراً على العود.
​وقد ذكرت المصادر التاريخية جوانب غريبة في شخصيته، مثل عدم اهتمامه بالمظهر والملبس، وفي بعض الأحيان، قيامه ببعض الطقوس المتباينة أثناء الرصد، الأمر الذي يراه البعض دليلاً على الزهد والتفرغ التام للعلم والإبداع، وعدم التقيد بالقيود الاجتماعية في سبيل تحقيق اكتشافاته.

​تكريم خالـد
​تقديراً لعظم إنجازاته التي وصلت إلى أقصى حدود السماء، أُطلق اسم ابن يونس على إحدى الفوهات البركانية على الجانب غير المرئي من سطح القمر. وهو تكريم يليق بعالم مصري جعل من القاهرة منارة الفلك وخطى بالعلوم خطوات سبقت عصره بقرون.

ابن يونس المصري: الفلكي الذي سبق عصره.. . وحلّق فوق المقطم