الخميس 11 ديسمبر 2025 09:18 صـ 20 جمادى آخر 1447هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

قضية السويس... حين يُهان الشيب وتُصفع الكرامة!

لم تكن الصفعة التي وجّهها المدعو عاصم غريب إلى وجه رجل مسنّ في السويس صفعةً لشخصٍ واحد، بل كانت صفعة على وجه مجتمعٍ كامل، صفعةً لضميرٍ نام، ولإنسانيةٍ تُختبر كل يوم أمام مشهد القهر والعجز والصمت.

رجل تجاوز الستين، جسده أنهكه المرض، ووجهه ملامح الحياة التي لم تبقَ فيه إلا بضع خيوط من الكرامة، يخرج ليشتري دواءه، فيُقابل بالإهانة والضرب، لا لشيء إلا لأنه فقير، ضعيف، لا سند له إلا الله والعدالة.

أيّ ذنبٍ اقترفه شيخٌ خرج من بيته لا يحمل سلاحًا إلا ضعفه؟، وأيّ قلبٍ هذا الذي تجرأ على صفع وجهٍ شابت لحيته من الأيام؟، وأيّ مجتمعٍ هذا الذي يرى المشهد ويكتفي بالتعاطف خلف الشاشات؟

هذه الحادثة ليست مجرد “مشاجرة”، بل مرآة قاسية نرى فيها ما آلت إليه القيم المصرية الأصيلة التي كانت ترفع الشيباء فوق الرؤوس احترامًا.
كنا نقول: “اللي ملوش كبير يشتري له كبير”
لكن يبدو أن بعض النفوس باعت الكِبَر والحياء معًا في مزاد الطمع والغرور.

اقرأ أيضاً

عاصم غريب لم يصفع رجلًا فقط، بل صفع وجدان أمة، وسقط في امتحان الرجولة قبل أن يسقط في يد القانون، فليس الرجولة أن ترفع يدك على شيخ، بل أن ترفعها لتسنده إن عجز، وتغطيه إن انكشف.

الغضب الشعبي الذي اشتعل على وسائل التواصل يجب ألا يهدأ حتى يُحاسب المعتدي حسابًا علنيًا، لا بالتراضي ولا بالتنازل ولا بجلسات عرفية.
لأن ما حدث ليس خلافًا شخصيًا، بل اعتداء على صورة الإنسان فينا جميعًا.

إذا سكتنا اليوم، فغدًا يُصفع أبونا، وبعده يُهان جارنا، ثم نصبح نحن أنفسنا ضحايا الضعف العام، حين يُصبح الباطل أقوى من صوت الناس.

هذه ليست قضية السويس وحدها، إنها قضية مصر كلها قضية العدالة، والرحمة، والكرامة.
قضية أن يبقى فينا حياء أمام الضعفاء، ورحمة في قلوبنا أمام المرضى، وخوف من الله قبل أن نمدّ أيدينا على أحد.

الصفعة التي تلقّاها ذلك المسنّ يجب أن تُحوَّل إلى صفعة للظلم، لكل متغطرسٍ ظنّ أن الفقر يُسقط عن الإنسان حق الاحترام، وليعلم الجميع أن الكرامة لا تُقاس بالمال، ولا تُشترى بالنفوذ، ولا تُسقطها يد معتدٍ مهما علت.

يا شعب مصر، يا أهل النخوة في كل أنحاء المحروسة،اجعلوا من هذه الحادثة بداية يقظة، لا مجرد موجة غضب عابرة، ارفعوا الصوت من أجل كل مظلوم، وكونوا صفعة مضادة، صفعة عدالةٍ وضميرٍ وقانون.

فلعل الله يجعل من هذه الفاجعة بداية صحوة مجتمعٍ لا يُهان فيه الكبير، ولا يُضرب فيه الضعيف، ولا يُدفن فيه الحق تحت أقدام القوة.

السويس الرجل المسن الصفعة عاصم غريب المجتمع وزارة الداخلية