”رجل التحولات أنور السادات”من قرية ميت أبو الكوم إلى قمة العالم
أنور السادات
إيهابحبلص
وُلد محمد أنور السادات في قرية ميت أبو الكوم بالمنوفية عام 1918، منحدراً من بيئة ريفية بسيطة شكلت جانباً من شخصيته لاحقاً. بدأت مسيرته كضابط في الجيش المصري بعد تخرجه من الكلية الحربية عام 1938، حيث التقى بالزعيم جمال عبد الناصر في "منقباد" وتوطدت علاقتهما لتؤسسا النواة الأولى لتنظيم الضباط الأحرار. شارك السادات بفعالية في ثورة 23 يوليو 1952، وكان هو من ألقى البيان الأول للثورة عبر الإذاعة، لتبدأ رحلته في العمل السياسي متقلداً عدة مناصب قيادية حتى اختاره عبد الناصر نائباً له.
العبور الكبير: بطل الحرب والتخطيط الاستراتيجي
تولى السادات رئاسة الجمهورية في أكتوبر 1970 بعد وفاة جمال عبد الناصر، ليجد مصر تواجه تحديات جسيمة، أبرزها آثار هزيمة 1967 واستمرار احتلال سيناء. بدأ السادات ولايته بحركة تصحيحية سياسية في مايو 1971، لكن قمة إنجازاته التاريخية كانت في السادس من أكتوبر 1973.
بذكاء استراتيجي خطط السادات لمعركة لم يكن يتوقعها أحد، مستخدماً "الخداع الاستراتيجي" لإيهام العدو بأنه لن يتخذ قرار الحرب. كان قرار العبور هو اللحظة الفارقة التي استعاد بها الجيش المصري كرامته، وعبر قناة السويس بنجاح محطماً خط بارليف المنيع، منهياً بذلك أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر". هذا الانتصار وضع مصر في موقف قوة للتفاوض، وأرسى الأسس لمرحلة جديدة.
السعي نحو السلام: مخاطرة لم يجرؤ عليها غيره
بعد انتصار أكتوبر، أدرك السادات أن طريق استرداد كامل الأرض يتطلب رؤية مختلفة لا تقتصر على العمل العسكري. ففي خطوة تاريخية مثيرة للجدل، أطلق مبادرة السلام، وتوجهاً بزيارة القدس عام 1977، ليصبح أول رئيس عربي يزورها علناً.
أدت هذه المبادرة الجريئة إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 في كامب ديفيد، والتي استعادت مصر بموجبها شبه جزيرة سيناء كاملة. ورغم الانتقادات الشديدة التي واجهها من الأطراف العربية، فقد نال السادات جائزة نوبل للسلام عام 1978، مشاركةً مع مناحيم بيجن، ليُعرف عالمياً بـ "بطل الحرب والسلام".
رحلة البحث عن الذات ونهاية مأساوية
لم تقتصر تحولات عصر السادات على الجانب العسكري والسياسي، بل شملت تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي وتغييرات داخلية واسعة. كان السادات قارئاً نهماً وكاتباً، وقد سجل جزءاً من تجربته وفلسفته في كتابه الشهير "البحث عن الذات".
انتهت حياة السادات في مشهد درامي مأساوي، حيث اغتيل في السادس من أكتوبر عام 1981 أثناء حضوره العرض العسكري للاحتفال بذكرى النصر، ليُسدل الستار على مسيرة زعيم شجاع ترك بصمة لا تُمحى على تاريخ مصر والشرق الأوسط، وظل مثيراً للجدل والتقدير على حد سواء بقراراته الجريئة وتحولاته المفاجئة.