المستشار الدكتور حسين مدكور في حوار خاص للميدان:
قضايا الدولة ستظل الدرع الحصين لمصر وحارس المال العام


التاريخ المفقود: وثائق طُمست وتدخلات سياسية غيّبت جزءًا من ذاكرة الدولة القانونية
التحول الرقمي: أول مجلس إلكتروني وأرشفة القضايا وربط إدارات الهيئة بالشبكات الحديثة
قطاع التنفيذ استرد 1.3 مليار جنيه بعد إنشائه مقابل 70 مليون فقط سابقًا
أنشأنا إدارات جديدة أبرزها السلامة والصحة المهنية، الرعاية الصحية والاجتماعية، والتواصل الإعلامي
اقرأ أيضاً
رئيس هيئة قضايا الدولة يزور الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري«
الميدان تهنئ الأستاذ محمد الفاضلي بتخرج كريمته الدكتورة هدير الفاضلي من كلية الطب بتقدير امتياز
الميدان تهنئ ألاء الفاضلي لتفوقها بالثانوية العامة والتحاقها بكلية الطب
رئيس هيئة قضايا الدولة: جيل قضايا الدولة الجديد… انضباط عسكري وعقل قانوني لخدمة العدالة والوطن
ما هي قصة التاريخ المفقود لهيئة قضايا الدولة؟.. المستشار الدكتور حسين مدكور يجيب
هيئة قضايا الدولة تستعد لإطلاق أكبر حركة ترقيات في تاريخها استعدادًا للاحتفال بمرور 150 عامًا على إنشائها
الميدان تهنئ المهندس خالد الخميسي بزواجه
رئيس هيئة قضايا الدولة يستقبل مفتي الجمهورية
تهنئة خاصة للمستشار الجليل / ربيعي حمدي حسين بمناسبة ترقية سيادته
الميدان تهنئ المستشار هشام الحداد بمناسبة ترقيته في هيئة قضايا الدولة
”قضايا الدولة تكرم مستشارين قدّما نموذجًا في التضحية خلال انتخابات الشيوخ”
”ترقية نخبة من مستشاري قضايا الدولة بقرار جمهوري”
التعاون الدولي يشهد شراكات عربية ومؤتمر إقليمي كبير مع اليوبيل الـ150
احتفالية اليوبيل الـ150 لهيئة قضايا الدولة برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي وشركة وطنية تتولى تنظيم الحفل
اليوبيل التاريخي: عملة تذكارية، فيلم وثائقي، أكبر حركة ترقيات، وتكريم
في زمن تتشابك فيه التحديات الداخلية والخارجية، وتتصاعد فيه النزاعات القانونية محليًا ودوليًا، تبرز هيئة قضايا الدولة كأحد أركان العدالة المصرية وحصونها المنيعة. فهي الذراع القانونية للدولة، وحارس المال العام، والخصم الشريف الذي لا ينحاز إلا للحق.
منذ نشأتها قبل قرن ونصف، والهيئة تؤدي دورًا جوهريًا في حماية سيادة الدولة والدفاع عن مصالحها أمام مختلف جهات القضاء، حتى صارت اليوم مؤسسة قضائية راسخة، تُعزز حضورها محليًا وإقليميًا، وتستعد لاحتفالية تاريخية بمناسبة اليوبيل الـ150 لتأسيسها.
كيف تحولت هيئة قضايا الدولة من "قلم صغير" في عهد الخديوي إسماعيل إلى حصن العدالة وحارس المال العام؟، وما حقيقة "التاريخ المفقود"؟ وكيف نجحت الهيئة في استرداد المليارات عبر قطاع التنفيذ؟... وماذا تُحضِّر لليوبيل الـ150 في يناير المقبل؟
كل الإجابات في حوار شامل مع المستشار حسين مدكور رئيس هيئة قضايا الدولة.
- بدايةً، متى وكيف نشأت هيئة قضايا الدولة؟
تاريخ الهيئة ممتد وعريق، يعود إلى عام ١٨٧٦ حين أنشأ الخديوي إسماعيل ما عُرف وقتها بـ "قلم قضايا الحكومة"، وكان الهدف الأساسي منه هو الدفاع عن مصالح الدولة أمام المحاكم المختلطة التي فرضها التدخل الأجنبي، والتي كانت تنظر في المنازعات بين الأجانب والمصريين أو بين الشركات الأجنبية والدولة المصرية. كان هذا القلم في بداياته نواة لفكرة مهمة، هي أن يكون للدولة ذراع قانونية قوية تواجه بها تعقيدات العلاقات الدولية والداخلية.
ومع مرور العقود وتطور الحياة القانونية في مصر، تحولت هذه النواة إلى كيان أكبر، حيث صدر القرار عام 1946 بإنشاء إدارة قضايا الحكومة، لتصبح أكثر تنظيمًا من مجرد مكتب دفاع قانوني، وليكون لها هيكل واضح يختص بمتابعة الدعاوى القضائية الخاصة بالدولة وإبداء الرأي القانوني في عقودها.
ثم جاء التطور الأهم عام 1963، حين صدر القانون رقم 75 لسنة 1963 بإنشاء هيئة قضايا الدولة كهيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، تضاهي في مكانتها باقي الهيئات القضائية. ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت الهيئة صاحبة الاختصاص الحصري في النيابة القانونية عن الدولة أمام جميع جهات القضاء، إلى جانب مراجعة العقود التي تبرمها الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وهو اختصاص جوهري يضمن حماية المال العام ويغلق الباب أمام أي ثغرات قانونية يمكن أن تُستغل ضد الدولة.
وقد جاء دستور 2014 ليعزز هذه المكانة، حيث نص بوضوح في المادة (196) على أن هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة، تتولى النيابة القانونية عن الدولة في المنازعات والرقابة القانونية على عقودها. وهو اعتراف دستوري بدور الهيئة المحوري كـ محامي الدولة الأول، وحارس مصالحها أمام القضاء.
- تحدثتم عن "التاريخ المفقود"، ماذا تقصدون؟
عندما نتحدث عن "التاريخ المفقود" لهيئة قضايا الدولة فنحن لا نتحدث عن مجرد أوراق ضاعت أو ملفات لم تُحفظ جيدًا، بل نتحدث عن جزء مهم من ذاكرة الدولة المصرية القانونية والقضائية الذي تعرض عبر عقود طويلة للتغييب، سواء بفعل الاحتلال، أو التدخلات السياسية، أو حتى الإهمال الإداري.
خذ مثلًا فترة الاحتلال البريطاني، حيث فرضت سرية مشددة على بعض الوثائق والفتاوى، مثل فتوى عام 1941 التي تناولت سلطات الحاكم العسكري. هذه الوثيقة كانت شديدة الحساسية في وقتها، وتم التعامل معها وكأنها سر عسكري لا يجوز أن يصل إلى الرأي العام أو حتى إلى الأرشيف المفتوح.
هناك أيضًا ما هو أخطر، وهو التدخل الملكي المباشر في عمل الهيئة. وأبرز مثال على ذلك ما جرى في قضية الشيخ علي عبد الرازق عام 1925 بعد صدور كتابه "الإسلام وأصول الحكم". وقتها تدخل الملك فؤاد الأول بشكل شخصي لفرض قرار بفصل الشيخ من القضاء، وهو ما شكّل سابقة خطيرة في تاريخ القضاء المصري، حيث تم توظيف هيئة قضائية رصينة في صراع فكري وسياسي. هذا الملف كان يمكن أن يكون مرجعًا مهمًا في فهم علاقة الدين بالدولة، لكنه تعرض للطمس والانتقاء المتعمد في السرد.
أما من الناحية الإدارية والسياسية، فقد تراكمت عبر العقود أسباب أخرى للغياب، من إهمال في حفظ الوثائق إلى غياب رؤية للتوثيق المؤسسي. ومن الطريف – والمثير للأسى أيضًا – أن أول رئيس للإدارة القانونية للدولة، وهو الإيطالي بيولا كازيللي، قام بجمع مجموعة من العقود والفتاوى المهمة في كتاب أسماه "سري للغاية". هذا الكتاب ظل بعيدًا عن متناول الجمهور والباحثين لعقود، وكأن هناك قرارًا ضمنيًا بأن يبقى تاريخ الهيئة في بعض جوانبه غير مكتمل أو محجوبًا عن الأعين.
- سيادة المستشار، لماذا تُسمى هيئة قضايا الدولة بـ"الخصم الشريف"؟
لأننا لا نتعامل مع القضايا بعقلية "الانتصار بأي ثمن"، بل بعقلية الحفاظ على الحق والعدل. نحن نمثل الدولة والشعب معًا، ولسنا محامين عن حكومة ضد مواطن. على العكس، إذا وجدنا أن الجهة الإدارية أخطأت أو أن المواطن على حق، فنحن لا نتردد في أن نقر بذلك أمام المحكمة، ونوجه الجهة الإدارية لتصحيح مسارها.
ولهذا نُطلق على أنفسنا "الخصم الشريف": نحن خصم لكن شريف، لا نُخاصم لمجرد الخصومة، ولا نُجادل لمجرد الانتصار، وإنما هدفنا أن يظهر الحق. أحيانًا نقف ضد الدولة ذاتها – بمعنى الأجهزة الإدارية – إذا أخطأت، قبل أن يُحاكمها القاضي. هذه النزاهة هي التي صنعت ثقة القضاء والمواطن فينا على مدى 150 عامًا.
- حدثنا عن إنجازاتكم في ملف التحول الرقمي؟
عقدنا أول اجتماع إلكتروني كامل للمجلس الأعلى للهيئة دون استخدام ورقة واحدة، وهو ما لم يحدث في تاريخها من قبل. أعتبر ذلك بداية رمزية ورسالة عملية أن التغيير ليس مجرد شعارات وإنما واقع نعيشه.
بدأنا بخطوات عملية واضحة، كان على رأسها إنشاء مركز رقمي متكامل داخل الهيئة، وهو بمثابة القلب النابض للتحول الرقمي. من خلاله بدأنا في مشروع أرشفة القضايا إلكترونيًا، بحيث تصبح كل ملفاتنا متاحة رقمياً أمام المستشارين دون عناء الرجوع للأوراق الضخمة أو المخازن. هذه الخطوة وحدها تختصر وقتًا وجهدًا هائلين، وتضمن الدقة والشفافية.
كما قمنا بربط الإدارات المختلفة داخليًا عبر شبكة معلومات حديثة، وهو ما جعل التواصل أسرع، وتبادل الملفات والبيانات يتم لحظيًا، الأمر الذي رفع كفاءة العمل وقلل فرص الخطأ. نحن الآن بصدد استكمال الربط مع باقي الهيئات والوزارات ذات الصلة، حتى يصبح هناك تكامل رقمي شامل يخدم عملية التقاضي والدفاع عن الدولة.
- وماذا عن قطاع التنفيذ داخل الهيئة؟
قطاع التنفيذ يُعتبر في الحقيقة الذراع القوية لهيئة قضايا الدولة، فهو الذي يُترجم أحكامنا القضائية من مجرد أوراق إلى واقع ملموس يدعم الخزانة العامة للدولة. كثيرون لا يعرفون أن لدينا رصيدًا ضخمًا من الأحكام القضائية النهائية واجبة النفاذ لصالح الدولة المصرية، يتجاوز 13 ألف حكم تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 6.4 مليار جنيه.
من هنا جاءت أهمية إنشاء قطاع متخصص للتنفيذ يتولى متابعة هذه الأحكام بدقة وحزم، ويتأكد من استرداد حقوق الدولة في أقصر وقت ممكن. والنتائج التي حققناها حتى الآن تعكس نقلة نوعية غير مسبوقة. فقبل إنشاء القطاع، لم تكن التحصيلات تتجاوز 50 إلى 70 مليون جنيه سنويًا، وهو رقم متواضع جدًا مقارنة بحجم الأموال المستحقة. أما منذ إنشاء القطاع وحتى فبراير 2025 فقد نجحنا بالفعل في تحصيل ما يقرب من 1.3 مليار جنيه لصالح الخزانة العامة، وهذا فارق هائل يوضح كيف يمكن للتنظيم المؤسسي أن يصنع المعجزات.
- ما الجديد الذي أضفتموه في إدارات الهيئة وهيكلتها؟
منذ أن توليت رئاسة الهيئة وضعت نصب عيني أن تطوير العمل المؤسسي لا يقل أهمية عن تطوير الأداء القضائي. فالقاضي أو المستشار الذي نحمله مسؤولية الدفاع عن الدولة في المحاكم يحتاج هو نفسه إلى من يحميه ويوفر له بيئة عمل آمنة ومستقرة. ومن هنا جاءت فكرة استحداث عدد من الإدارات النوعية التي لم تكن موجودة من قبل.
على سبيل المثال، أنشأنا إدارة السلامة والصحة المهنية عقب حادث حريق سنترال رمسيس، ذلك الحادث الذي مثّل جرس إنذار لنا بأن بيئة العمل الآمنة لا بد أن تكون أولوية مطلقة. هذه الإدارة معنية بوضع خطط وقائية، ومتابعة اشتراطات السلامة في مقار الهيئة، والتأكد من جاهزية البنية الأساسية لمواجهة أي طوارئ.
كما أنشأنا إدارة للرعاية الصحية والاجتماعية، وهي خطوة نوعية مهمة. هذه الإدارة ليست مجرد صندوق علاج تقليدي، بل منظومة متكاملة تهدف إلى تقديم خدمات صحية متطورة للمستشارين وأسرهم، مع الاهتمام بالرعاية الاجتماعية والنفسية. نحن نؤمن أن المستشار الذي يشعر بالطمأنينة على أسرته وصحته سيؤدي عمله بضمير أكثر ارتياحًا وبذهن صافٍ.
- هل لدى الهيئة تعاون دولي أو إقليمي؟
بالتأكيد. نحن نؤمن أن العدالة لا تتجزأ، وأن الدفاع عن الدولة ومصالحها قضية تشترك فيها كل الشعوب، خصوصًا في عالم عربي وإقليمي يواجه تحديات قانونية متشابهة. من هنا جاء حرصنا على مد جسور التعاون مع نظيراتنا في الدول العربية، سواء هيئات قضايا الدولة أو أجهزة الفتوى والتشريع.
نحن نُشارك بانتظام في المؤتمرات الدولية والإقليمية، ونستضيف وفودًا قضائية وقانونية من دول شقيقة وصديقة، لتبادل الخبرات في ملفات مثل التحكيم الدولي، حماية المال العام، مراجعة العقود، والتحول الرقمي في العدالة. هذا التبادل يثري خبرات مستشارينا، ويُتيح لنا الاطلاع على تجارب ناجحة يمكن البناء عليها.
وعلى سبيل المثال، نحن نستعد حاليًا لتنظيم مؤتمر عربي كبير في يناير 2026، بالتزامن مع احتفالية اليوبيل الـ150 لتأسيس الهيئة. هذا المؤتمر سيجمع رؤساء هيئات قضايا الدولة وأجهزة القضاء المماثلة في العالم العربي، وسيكون منصة مهمة لمناقشة التحديات القانونية المشتركة مثل عقود الطاقة، النزاعات الاستثمارية، قضايا البيئة العابرة للحدود، ومكافحة الإرهاب من منظور قانوني.
كما نُخطط لتوقيع مذكرات تفاهم للتعاون القانوني مع بعض الدول، بما يتيح تبادل المستشارين للتدريب، وتبادل الأبحاث القانونية، وتنسيق المواقف في بعض القضايا ذات البُعد الدولي.
- ماذا عن احتفالية اليوبيل الـ150 المقبلة؟
الهيئة تستعد بالفعل لهذه المناسبة التاريخية التي لا تُعد مجرد احتفال بروتوكولي أو مناسبة عابرة، وإنما هي محطة فارقة في تاريخ القضاء المصري كله. وهي تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهناك شركة وطنية سوف تتولى ترتيب وتنسيق الحفل الكبير، وهناك خطابات لمجلس الوزراء وبعص الجهات لترتيب الدعوات والحضور.
نحن نتحدث عن مرور قرن ونصف على نشأة هيئة قضايا الدولة منذ تأسيسها عام 1876 كقلم صغير في وزارة المالية، وحتى أصبحت اليوم هيئة قضائية راسخة ومستقلة تمثل الدولة المصرية في الداخل والخارج.
الاحتفالية المقررة في يناير 2026 سيكون لها عدة أبعاد:
البعد الوطني والرمزي:
سنقوم بإصدار عملة تذكارية وطابع بريد خاص يحمل شعار الهيئة وشعار اليوبيل الذهبي، ليظل شاهدًا للأجيال القادمة على هذا التاريخ العريق. كما سيُعرض فيلم وثائقي يوثق مسيرة الهيئة منذ النشأة وحتى اليوم، مرورًا بالقضايا التاريخية الكبرى مثل قضية طابا، وقضايا التحكيم الدولي، وقضايا الإصلاح الزراعي، وحماية المال العام.
البعد العلمي والمهني:
سننظم مؤتمرًا دوليًا موسعًا بالتعاون مع الهيئات القضائية النظيرة في الدول العربية والأجنبية، يناقش أهم قضايا العصر مثل: التحكيم الدولي، وحماية الاستثمارات، والتحول الرقمي في العدالة، وكيفية صون سيادة الدولة في ظل العولمة القانونية.
البعد المؤسسي والبشري:
سيتم الإعلان عن أكبر حركة ترقيات في تاريخ الهيئة، تكريمًا لعطائهم، ولإعطاء دفعة قوية للأجيال الجديدة. كما سنكرم الرموز الكبار من شيوخ المستشارين الذين أسهموا في صنع تاريخ الهيئة، ونستعرض قصص كفاحهم وإنجازاتهم.
البعد الإعلامي والتوعوي:
سيكون هناك ملف إعلامي متكامل للتعريف بدور الهيئة الذي ظل لعقود بعيدًا عن الأضواء. نريد أن يعرف المواطن المصري أن هناك مؤسسة قضائية ساهرة على حماية أمواله وحقوقه في الداخل والخارج، وأن ما تقوم به الهيئة في صمت يوازي في قيمته ما يقوم به الجنود على الحدود.
إذن نحن أمام حدث استثنائي لا يخص الهيئة وحدها، بل يخص الدولة المصرية كلها. فالاحتفاء باليوبيل الـ150 هو احتفاء بمسيرة مؤسسات الدولة، وتجديد للعهد بأننا سنواصل الدفاع عن الوطن ومقدراته بنفس الإخلاص الذي ميز أجيال الهيئة المتعاقبة منذ 150 عامًا وحتى اليوم.
- كيف تديرون الهيئة من الناحية الإدارية، خاصة بعد استحداث منصب رئيس منطقة بدلاً من رئيس قطاع، وزيادة عدد نواب الأقسام؟
الإدارة بالنسبة لي تقوم على فلسفة واضحة هي تفويض السلطات وتوزيع الأدوار. أنا لا أؤمن بتركيز القرار في يد شخص واحد، لأن أي مؤسسة كبيرة بهذا الحجم – تضم آلاف المستشارين وتغطي كل محافظات مصر – لا يمكن أن تنجح بالاعتماد على مركزية القرار.
من هنا جاء استحداثنا منصب رئيس منطقة بدلاً من رئيس قطاع، والهدف أن يكون لدينا قيادات أقرب إلى المستشارين في مواقع العمل، وأكثر قدرة على متابعة التفاصيل اليومية. رئيس المنطقة هو بمثابة عين الهيئة في الإقليم، يتواصل مباشرة مع الإدارات والأقسام، ويحل المشكلات بسرعة دون الحاجة لانتظار تدخل المركز الرئيسي في القاهرة.
أما بالنسبة إلى كثرة نواب الأقسام، فهذا ليس تضخيمًا في الهيكل، بل هو استثمار في صناعة جيل جديد من القيادات. نحن نؤمن أن الهيئة تحتاج دائمًا إلى صف ثانٍ وثالث من الكفاءات، وهذا الصف لا يُصنع بالكلام بل بالممارسة العملية. عندما تعطي المستشار الشاب فرصة أن يكون نائبًا لرئيس قسم أو مسؤولًا عن ملف محدد، فأنت تضعه في دائرة القرار، وتدربه على القيادة، وتمنحه خبرة تجعله مؤهلًا ليكون في المستقبل رئيسًا للإدارة أو حتى رئيسًا للهيئة.
- هل صحيح أن الهيئة بصدد إطلاق "أكبر حركة ترقيات" في تاريخها؟ وما المستجدات في هذا الملف؟
بالفعل، الهيئة تعمل حاليًا على إنهاء إعداد أضخم حركة ترقيات استثنائية في تاريخها، تشمل المستشارين والموظفين الإداريين، كجزء أصيل من احتفالاتنا باليوبيل الـ150 لتأسيس الهيئة. هذه الحركة ليست مجرد ترقيات عادية، بل هي تكريم حقيقي للكوادر التي كرّست جهودها لأمانة القضاء والعدالة.
وليس هذا فقط، فقد شهد العام الجاري (2025) تنفيذ خطوتين بارزتين بالفعل:
في أبريل 2025، أعلننا عن حركة ترقيات كبيرة شملت 1,495 مستشارًا بدرجات متنوعة — من درجة نائب رئيس الهيئة وحتى مندوب — وهو ما تم عبر تصويت إلكتروني للجمعية العمومية، بحضور قيادات الهيئة.
في فبراير 2025، أصدرنا قرارًا بترقية 946 موظفًا إداريًا بعد اجتيازهم المدة البينية اللازمة، وهو دليل واضح على اهتمام الهيئة بتمكين الكوادر الإدارية وتقدير جهودهم.
- سيادة المستشار، كثير من المواطنين يخلطون بين هيئة قضايا الدولة ومجلس الدولة والنيابة الإدارية.. ما الفارق الجوهري بين هذه الهيئات؟
هيئة قضايا الدولة ببساطة هي محامي الدولة، نحن من نتولى الدفاع عن الدولة ومؤسساتها أمام جميع المحاكم، ونراجع عقودها، ونحمي أموالها العامة من أي ثغرات أو التزامات. نحن "الخصم الشريف" الذي يمثل الشعب وليس الحكومة وحدها.
أما مجلس الدولة فهو قاضي الدولة، دوره الفصل في المنازعات الإدارية بين المواطن والإدارة، والنظر في الطعون على القرارات الحكومية، بالإضافة إلى مراجعة وصياغة مشروعات القوانين واللوائح.
بينما النيابة الإدارية فهي رقيب الدولة، إذ تحقق في المخالفات الإدارية والمالية داخل الجهاز الإداري للدولة، وتحيل المتجاوزين للمحاكمة التأديبية. هي بمثابة عين الدولة الساهرة على انضباط الجهاز الحكومي.
وباختصار: قضايا الدولة محامي، مجلس الدولة قاضي، النيابة الإدارية رقيب.. وكلنا نكمل بعضنا في حماية العدالة والمال العام.
- رسالة طمأنة للمواطن معالي المستشار؟
أود أن أؤكد أن هيئة قضايا الدولة ستظل الحارس الأمين على حقوق مصر وشعبها، الدرع الحصين للمال العام، والسند الدائم للعدالة في كل ميادينها. نحن لا نعمل في صمت فقط، بل نعمل بإيمان عميق بأننا نحمل رسالة وطنية وقضائية ممتدة منذ أكثر من قرن ونصف.
اليوم، ونحن نقترب من الاحتفال بمرور 150 عامًا على نشأة الهيئة، لا نحتفل بالماضي فحسب، بل نستعد بقوة لمستقبل أكثر إشراقًا يليق بتاريخ مصر العريق. المستقبل بالنسبة لنا يعني هيئة عصرية رقمية، قوية بقياداتها الشابة، راسخة بقيمها القضائية، متفاعلة مع محيطها العربي والدولي.
رسالتي أيضًا أن المواطن المصري يطمئن؛ لأن هناك مؤسسة قضائية مستقلة لا تنحاز إلا للقانون والحق، ولا تسعى إلا لتحقيق العدل وحماية مصالح الوطن. سنظل دائمًا “الخصم الشريف” الذي لا يتجمل ولا يتهاون، والذي لا يخاصم إلا دفاعًا عن الحق.