الأربعاء 7 مايو 2025 01:15 صـ 8 ذو القعدة 1446هـ

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

رئيس التحرير محمد يوسف رئيس مجلس الإدارة خالد فؤاد حبيب

آراء وكتاب

عطلة ”عبد العمال ”تجسد مرونة الاقتصاد الصيني


بقلم ليانغ سوو لي
إعلامية صينية

في ظل تصاعد الحمائية التجارية عالميًا وتشديد الولايات المتحدة لسياسات فرض الرسوم الجمركية على الصين، خطفت مشاهد الاستهلاك المزدهر خلال عطلة "عيد العمال" في الصين أنظار العالم، مجسّدة بوضوح مرونة الاقتصاد الصيني وحيويته المتصاعدة.

فقد اكتظت المواقع السياحية بالزوار، وانتشرت الخدمات الذكية على نطاق واسع، في مشهد يعكس ازدياد الطلب المحلي المستمر وتسارع وتيرة التعافي الاقتصادي.


وخلال العطلة، أطلقت العديد من المدن الصينية تجارب جديدة تمزج بين "التكنولوجيا والسياحة الثقافية". ففي كهف هونغ يا دونغ بمدينة تشونغتشينغ، أُعيد عرض مشاهد السفن التجارية القديمة باستخدام تقنية الإسقاط ثلاثي الأبعاد، بينما أصبحت "الكلاب الروبوتية" التي تقوم بدوريات في بلدة قوبي المائية ببكين نقطة جذب بارزة للزوار. كما وفّرت متاحف في مقاطعة شنشي تجارب واقع افتراضي (VR) تنقل الزائرين في رحلة غامرة إلى عوالم التاريخ.

اقرأ أيضاً

لم تثْرِ هذه التطبيقات المبتكرة تجربة العطلة فحسب، بل ساهمت أيضًا في تسريع دمج التكنولوجيا الرقمية في تفاصيل الحياة اليومية، ما عزّز من القوى الإنتاجية الجديدة النوعية.
ورغم التصعيد الأمريكي المستمر في فرض الرسوم والقيود على شركات التكنولوجيا الصينية، لم تكتفِ الصين بالرد، بل واصلت المضي قدمًا على طريق الابتكار المستقل وتحديث هيكلها الاقتصادي. من تحقيق اختراقات في التقنيات الجوهرية إلى التوسع في الصناعات الناشئة، ومن السياحة الذكية إلى خدمات العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي، أصبحت أنماط الاستهلاك في العطلات انعكاسًا حيًا لثمار هذا التحول.

فعلى سبيل المثال، اعتمدت وجهات سياحية مثل جبل هوانغشان وتشانغجياجيه تقنيات الذكاء الاصطناعي القائم على النماذج الكبيرة، ما أسهم في تحسين كفاءة الخدمات المقدّمة للزوار وأبرز عمق التكامل بين الذكاء الاصطناعي والصناعات التقليدية.
ويمثل النشاط الاقتصادي اللافت خلال العطلة مؤشرًا قويًا على تنامي قوة الدورة الاقتصادية الداخلية المدفوعة بالطلب المحلي.

فقد شهدت قطاعات متنوعة مثل الطعام والنقل والترفيه والفنادق نموًا متزامنًا، ما لم يُعزز الاستهلاك قصير الأمد فقط، بل عكس أيضًا التحول الهيكلي في أنماط الاستهلاك وتقدّم الابتكار التكنولوجي بوتيرة متسارعة.

ووفقًا لتقديرات مركز بيانات وزارة الثقافة والسياحة، بلغ عدد الرحلات السياحية الداخلية خلال عطلة الخمسة أيام 314 مليون رحلة، بزيادة قدرها 6.4% على أساس سنوي، فيما بلغ إجمالي إنفاق السياح المحليين 180.27 مليار يوان (ما يعادل 24.79 مليار دولار أمريكي)، بزيادة سنوية قدرها 8.0%، ما يُبرز مرونة السوق الصينية الضخمة.
في الوقت ذاته، تسارعت وتيرة إدماج التقنيات الذكية في منظومة الخدمات المرتبطة بالعطلات، مما ساهم في رفع جودة سلاسل القيمة الصناعية. فمن تقنيات التعرف الصوتي إلى الروبوتات الخدمية، ومن أنظمة الأمن الذكي إلى أدوات إدارة البيانات، لم تعد الابتكارات التكنولوجية مَحصورةً في البُنى التحتية الخفية، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من واجهة التشغيل والخدمة. وقد أسهم ذلك في تحسين تجربة الزائرين، وتعزيز نمو قطاعات التصنيع والخوارزميات وسلاسل الإمداد. ويلعب هذا الطلب الاستهلاكي القوي دورًا تحفيزيًا على جانب العرض، إذ يدفع عجلة الابتكار ويسهم في بناء نظام صناعي حديث وفعّال.
وقد حظي اقتصاد العطلات في الصين باهتمام واسع من وسائل الإعلام الدولية، التي رصدت دلالاته العميقة. فقد ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن الصين تُسرّع خطواتها في مجال الابتكار التكنولوجي، وأن إنجازاتها المتواصلة تعزز الثقة في الداخل وتترك أثرًا بعيد المدى على خارطة التكنولوجيا العالمية.

كما أشارت منصة سكاي كيوي النيوزيلندية إلى أن السياحة الثقافية الصينية باتت تندمج بسلاسة مع حيوية التكنولوجيا، حيث يجلب الذكاء الاصطناعي والروبوتات تجربة غير مسبوقة للزوار. وعليه، فإن عطلة "عيد العمال" ليست مجرد موجة استهلاكية موسمية، بل هي تجلٍّ واضح لمسار التنمية العالية الجودة في الصين، وردّ فاعل على الضغوط الخارجية.
أما الرسوم الجمركية التي تواصل الولايات المتحدة فرضها، فتهدف إلى كبح تقدّم الصين في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والصناعات ذات القيمة المضافة العالية. إلا أن الواقع يُثبت أن ما تمتلكه الصين من بنية صناعية متكاملة، وسوق محلية ضخمة، وقدرة متزايدة على الابتكار، يُشكّل قاعدة صلبة لنمو اقتصادي مستقر. ومهما تبدلت الظروف الخارجية، يبقى التوجه العام للاقتصاد الصيني نحو الصعود ثابتًا.
إن الزخم الذي شهدته عطلة "عيد العمال" يعكس في جوهره تطلعات الشعب الصيني إلى حياة أفضل، ويجسد كفاءة النظام الوطني وثبات مسار التنمية. فالصين لا تعتمد على محفزات مؤقتة لتحقيق النمو، بل تبني تنميتها على أسس القوة الذاتية المتراكمة والتطوير المستدام.

من ازدهار الاستهلاك إلى التحديث الصناعي، تمضي الصين بخطى واثقة ومدروسة لمواجهة التحديات، وتهيئة الزخم للمستقبل، في صورة تعبّر عن مرونة اقتصادية استثنائية وحيوية متجددة.

عيد العمال عطلة عيد العمال في الصين مرونة الاقتصاد الصيني